89 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ؛ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: يَا نَبِىَّ اللهِ، لَيْسَ لِى شَىْءٌ إلا ما أَدْخَلَ عَلَىَّ الزُّبَيْرُ، فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ أَنْ أرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَىَّ؟ فَقَالَ: " ارْضَخِى مَا اسْتَطَعْتِ، وَلا تُوعِىَ فَيُوعِى اللهُ عَلَيْكِ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: " ارضخى ": الرضخ: العطية القليلة، يقال: رضخت له من مالى رضخاً (¬1) [كذا هو فى النسخ] (¬2).
قال القاضى: روايتنا فى الكتاب: " انضحى "، كما ذكر أول الحديث، وقيل لعله: " ارضخى "، كما فسّره وجاء فى الحديث الآخر، لكنه لا يقال إلا لما قلّ من العطاء. وقد تخرج عندى معنى: " انضحى " كما جاء فى الرواية؛ لأنه يأتى بمعنى الصَبّ والرش، والعطاءِ يُعبَّرُ [عنه] (¬3) به كثيرًا، وهو بمعنى الرضخ، [وكان عند بعض الرواة: " انصحى " بالمهملة يعنى بالصاد المهملة، ولا وجه له هاهنا] (¬4).
وقوله: " ولا توعى فيوعى اللهُ عليك "، وفى الرواية الأخرى: " ولا تحصى فيحصى اللهُ عليكِ "، وفى غير مسلم: " ولا توكى " (¬5)، وكله نهى عن الإمساك والبخل، أى لا تخزن مالك فى وعاءٍ ولا تَشُدّه بوكاءٍ، وأصل الوَعْى الحفظ، وهو بمعنى الإحصاء فى الحديث الآخر، والإحصاءُ: معرفهُ قَدر الشىء.
وقوله: " فيوكى الله عليك " " ويوعى " ويحصى " على اختلاف الأحاديث، مقابلة اللفظ باللفظ، وتجنيسٌ للكلام بمثله فى جزائه، أى يمنعك كما منعت، ويقتر عليك كما قترت، ويمسك فضلهُ كما أمْسكت، كما قال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} (¬6)، وقيل: لا تحصى ما تعطى فتستكثرهُ نفسُك، فيكون سبب انقطاعه ومنعك له. وقد يراد هنا بالإحصاء والوعى معرفة عدده خوف أن تزول البركة (¬7) منه كما جاء فى غير حديثٍ، وأمره بأن تهيلوا ولا تكيلوا، وقول عائشة: " حتى كلناه فَفُنى " (¬8)، وهذا أولى ما يقال
¬__________
(¬1) فى ع: رضيخة، والمثبت من نسخ الإكمال.
(¬2) من س.
(¬3) ساقطة من س.
(¬4) سقط من س.
(¬5) البخارى، ك الزكاة، ب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها عن أسماء.
(¬6) آل عمران: 54.
(¬7) فى س: ببركة.
(¬8) سيأتى إن شاء الله فى ك الزهد، ب الزهد والرقائق بلفظ: " فكلته ففنى ".