كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 4)

53 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْن مُسْهِرٍ وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنِ - ابْنِ أَبِى أَوْفَى - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ: " انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ! قَالَ: " انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا ". قَالَ: إِنَّ عَلَيْنَا نَهَارًا، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ - فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ".
(...) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهلال لزدتكم " كالمُنَكِّلِ لهم، وفى بعض طرقه: " لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم " (¬1)، وهذا كله يدل على أنه لا يستحيل إمساك الليل شرعاً، ولو كان مُستحيلاً ما واصل - عليه السلام - بهم، ولا حَمَلهم على ما لا يحلُ، ولعاقب من خالف نهيه، وقال أحمد وإسحاق: لا بأس بالوصال إلى السحر، وخرّج البخارى: " لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر " (¬2).
وقوله: قالوا: إنك تواصل، قال: " إنكم لستم فى ذلك مثلى، إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى، فاكلفوا من العمل (¬3) ما تطيقون " (¬4): وهذا يحتمل أن يكون المراد به أن الله تعالى يخلق (¬5) فيه من الشبع والرى ما يخلقه فى قلب من أكل وشرب، أو يكون على حقيقته فى ذلك، جَلت قدرته، يطعمه ويسقيه، كرامة له - عليه السلام.
وقوله: " اكلفوا من العمل ": قال صاحب الأفعال: يقال: كلف وجهه كلفاً، وكلفت الشىء كلافةً: تحملته [وأولِعْتُ به] (¬6).
وقوله: " انزل فاجدح لنا "، قال الإمام: الجدح: خلط الشىء بغيره، والمجدحة: الملعقة.
قال القاضى: المجدح: المحوض، قالوا: هو عود فى طرفه عيدان (¬7).
وقوله: " لو أمسيت ": أى أخزت إلى وقت المساء وتحقق، كقوله: " عليك نهاراً " فى الرواية الأخرى؛ لأنه اعتقد أن بقية الضوء والحمرة بعد مغيب الشمس معتبرٌ فى
¬__________
(¬1) سيأتى فى الباب القادم برقم (60).
(¬2) البخارى، ك الصوم، ب الوصال ومن قال: ليس فى الليل صيام 3/ 48.
(¬3) فى ع: الأعمال
(¬4) سيأتى فى الباب التالى برقم (58).
(¬5) فى س: خلق.
(¬6) فى س، ع: وبه أولعت.
(¬7) فى س: عودان.

الصفحة 36