كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 4)

" اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ ". فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ. فَقَالَ: لا، وَاللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْظُرْ وَلَوْ خَاتِمُ مِنْ حَدِيدٍ ". فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصداق فسخ قبلُ، وثبت بعد الدخول ولها صداق المثل، وإن أراد به نكاحها بغير صداق لم يجز، فإن أصدقها ربع دينار فأكثر لزم، وأوهمَه بعضُ شيوخنا فيما قال، وذلك أن الواهبة نفسها بغير معنى النكاح سفاح يثبت فيه الحد، وإنما الخلاف فيما أريد به النكاح.
وفى قول الرجل هذا دليل على جواز الخطبة على الخطبة ما لم يتراكنا، لاسيما مع ما رأى من زهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها. قال الباجى: فيه جواز ذلك إذا كان باستئذان الناكح إذ هو حقه.
قال القاضى: وعندى أن الاستدلال بهذا كله هنا ضعيف؛ لأنه لم يكن هنا خطبة إلا من المرأة للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى نفسها، والرجل إنما طلب المرأة وخطبها للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يخطبها غيره قبله، حتى يقال: هى خطبة على خطبة.
وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل معك شىء؟ " وقال فى الموطأ (¬1) وغيره (¬2): " تُصدقها ": دليلٌ أنه لا نكاح إلا بصداق.
وقوله: " لا أجد ": دليل على أنه لابد أن يكون الصداق مال بال، ويسمى مالاً دون ما ينطلق عليه اسم شىء، إذ النواةُ والخزفةُ المسعرة وشبه ذلك يقع عليه اسم شىء وهو مما لا يتعذر وجوده، وهم مجمعون على أنه لا يكون مثله صداقاً، ولا يصح به النكاح.
وقوله: " التمس ولو خاتماً من حديد "، قال الإمام: تعلق به من أجاز النكاح بأقل من ربع دينار، لأنه خرج مخرج التقليل، ومالك منعه بأقل من ربع دينار، قياساً على القطع فى السرقة.
قال القاضى: هذا مما تفرد به مالك التفاتاً؛ لقوله تعالى: {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكم} (¬3)، ولقوله: {وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً} (¬4)، فدل أن المراد مالهُ بالٌ من المال، وأقله ما استبيح به العضو فى السرقة وهو ربع دينار.
وكافة العلماء من الحجازيين والمصريين والكوفيين والشاميين وغيرهم على جوازه بما تراضى عليه الزوجان أو من العقد إليه مما فيه منفعة كالسوط والنعل ونحوه، وإن كانت
¬__________
(¬1) الموطأ، ك النكاح، ب ما جاء فى الصداق والحباء 2/ 526.
(¬2) البخارى، ك النكاح، ب السلطان ولى 7/ 22.
(¬3) النساء: 24.
(¬4) النساء: 25.

الصفحة 579