كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 4)
حَتَّى شَبِعُوا، وَخَرَجُوا، وَبَقِىَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَطَالُوا عَلَيْه الْحَدِيثَ. فَجَعَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحْيى مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ شَيْئًا. فَخَرَجَ وَتَرَكَهُمْ فِى البَيْتِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} قَالَ قَتَادَةُ: غَيْرَ مُتَحيِّنِينَ طَعَامًا {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} حَتَّى بَلَغَ: {ذَلِكمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن} (¬1).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال القاضى: وهذه القصة هى فى عرس زينب بينها مسلم والبخارى (¬2) فى بعض أحاديثهما، وهى وإن أشبه بقية الخبر فيها من جلوس من جلس، ونزول الحجاب وخبر وليمتها بالخبز واللحم فى بعض الروايات، فهما قضيتان - والله أعلم، أحدهما: وليمته التى قصد وأشبعهم فيها خبزاً ولحماً. والثانية: هذه التى دعاهم لما أهدته له أم سليم من الحيس فيها كانت الآيةُ والبركة، ولم يأت ذلك فى وليمته باللحم، وفيها كانت قصة الحجاب.
ويحتمل أن ذكرها فى قصة وليمة اللحم وهم من الرواة. والأشبه أنها كانت فى وليمة الحيس، وهو ظاهر سياق الأحاديث، ولا يمكن تكرارها مرتين إذ نزول آية الحجاب فى الأولى منهما، ونهيهم عن فعلهم ذلك يكفى عن المخالفة بعد، وأراه وهماً من بعض الرواة، وتركيب قصةٍ على أخرى - والله أعلم - على أن ظاهر قصة زينب فى الوليمة باللحم أن فيها - أيضًا - آيةٌ، وذلك أنه ذكر فى الرواية الواحدة أنه ذبح شاة، وفى الأخرى: " أشبع الناس خبزاً ولحماً "، وقال: " حتى تركوه ". وهذا لا يكون من شاة واحدة للناس.
وفى إرخاء الستر فى وجه أنسٍ جواز فعل مثل هذا مع خادم الرجل ومن لا يحتشمه، وأنه أولى من قوله: لا يدخل، ولما كان عليه - عليه السلام - من حسن الخلق والعشرة.
وقوله: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ}: فسره قتادة فى الأم غير متحينين طعاماً معنى " غير ناظرين ": غير منتظرين إدراكه ونضجه، والإناه: الحين والوقت، أى مترقبين حينه. والصفّة مثل الظلة والسقيفة.
وقوله: " حين اشتد النهار " هى رواية ابن الحذاء، ولغيره: " امتد " وهما بمعنى اشتد النهار: ارتفع.
وقوله: " ووعظ القوم بما وعظوا ": أى عوتبوا، ونحو منه الحديث الآخر: " يعظ أخاه فى الحياء " (¬3).
¬__________
(¬1) الأحزاب: 53.
(¬2) البخارى، ك النكاح، ب الصفرة للمتزوج.
(¬3) سبق فى مسلم، ك الإيمان، ب بيان عدد شعب الإيمان (59).
الصفحة 602
688