كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 5)

فِى التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟ ". قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وهذا يدل أنه فى أول الأمر وسؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم عما فى التوراة. قيل: هذا يحتمل أنه قد علم به بالوحى، وأنه مما لم يغيروه منها؛ ولهذا ما لم يخف عليه حين كتموه، أو أن يكون علم ذلك ممن وفق ممن أسلم من علمائهم. وفى الصحيح أن عبد الله بن سلام قال له: إن فيها الرجم. (¬1) ويحتمل أن يكون سألهم عن ذلك استخباراً عما عندهم ثم يستعلم صحته من قبل الله تعالى، ويكون حكمه بما فى التوراة، إما لأنهم رضوا بذلك وصرفوا حكمهم إليه، أو لأن شرع من قبلنا لازم لنا ما لم ينسخ على أحد القولين لأهل الأصول. قد قيل: إن هذا كان خصوصاً للنبى - عليه السلام - إذ لا فضل عن أى معرفة ما أنزل عليهم، وللإجماع أن أحداً لم يعمل به بعده لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِين أَسْلَمُوا لِلِّذِينَ هَادُوا} (¬2).
وقد احتج الدارقطنى وأبو داود وغيرهما وبعضهم يزيد على بعض حديث اليهوديين مبيناً، وفيه: فقال لهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتونى بأعلم رجلين فيكم "، فأتوه بابنى صوريا. وفيه: أنه سألهما: " كيف تجدون حدهما فى التوراة؟ ". فقالا: الرجل مع المرأة ريبة وفيه عقوبة، والرجل على بطن المرأة ريبة وفيه عقوبة، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يدخله فيها كالمرود فى المكحلة رجم. قال: " ائتونى بالشهداء "، فشهد أربعة فرجمهما (¬3). قال الدارقطنى تفرد به مجالد عن الشعبى وليس بالقوى.
وقولهم: " نسود وجوههما ونحملهما " كذا للعذرى والسمرقندى، وعند السجزى: " نجملهما " بالجيم المفتوحة، وعند الطبرى: " نحملهما " بالحاء الساكنة.
قال الإمام: المحمم: المسوَد الوجه، وهو مفعل من الحمم، والحمم: الفحم، واحدتها حممة.
قال القاضى: فمن رواه: " نحممهما " فهذا معناه، ومن رواه: " نجملهما " بالجيم فمعناه: نحملهما على الجمال، كما قال فى الرواية الأخرى:، نُحَمِّلْهُمَا ".
وقوله: " ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما ": هذا كله مبالغة فى التنكيل بهما.
¬__________
(¬1) البخارى، ك الحدود، ب الرجم فى البلاط 8/ 205، النسائى فى الكبرى، ك الرجم، ب إقامة الإمام الحد على أهل الكتاب إذا تحاكموا إليه 4/ 293 برقم (7213).
(¬2) المائدة: 44.
(¬3) أبو داود، ك الحدود، ب فى رجم اليهوديين 2/ 466.

الصفحة 530