كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 6)
أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا، فَاجْلَسُونِى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابى خَلْفِى، ثُمَّ دَعَا بتُرْجُمَانِهِ فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّى سَائِلٌ هَذَا عَنِ الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ، فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللهُ، لَوْلا مَخَافَةَ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَىَّ الكَذِبُ لَكَذَبْتُ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ: كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْت: هَوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ. قَال: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: وَمَنْ يَتَّبِعُهُ؟ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ، بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: فَكَيفَ كَانَ قِتَاَلُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ: قُلْت: تَكُونُ الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالاً، يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ. قَال: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لا، ونَحْنُ مِنْهُ فِى مُدَّةٍ، لا نَدْرِى مَا هَوَ صَانِعٌ فِيهَا.
قَالَ: فَوَاللهِ، مَا أَمْكَنَنِى مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ.
قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا. قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: إِنَّى سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَب، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِى أَحْسَابِ قَوْمِهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال القاضى: إنما هو هنا اسم لا صفة، وهو دحية بن خليفة، معروف. " وعظيم بصرى " بضم الباء: أميرها، وهى من مدن الشام، وهى مدينة حروان.
وقول هرقل: " هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل " ثم قوله: " أيكم أقرب نسباً منه ": دليل على أن قوم الرجل أعلم به وبما يشينه ويلحق به؛ لقربه منهم.
وقوله: " فاجلسونى بين يديه وأجلسوا أصحابى خلفى "، وقول هرقل لهم: " إن كذب فكذبوه ". قيل: إنما أجلسهم خلفهم (¬1) لئلا يستحيوه بالمواجهة إن كذب. وفيه أن خبر الجماعة أوقع فى النفوس من خبر الواحد، لا سيما إن كانوا عددًا كثيراً، فقد يقع العلم بخبرهم.
وقول أبى سفيان: " لولا مخافة أن يؤثر عنى الكذب ": دليل على أن الكذب مذموم مهجور فى الجاهلية والإسلام (¬2).
وقوله: " كذلك الرسل تبعث فى أحساب قومها ": دليل على أن الحساب أولاً
¬__________
(¬1) فى س: خلفه.
(¬2) انظر: الاستذكار 14/ 180 وما بعدها.
الصفحة 118