كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 6)

(32) باب إكرام الضيف وفضل إيثاره
172 - (2054) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ فُضْيلِ ابْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى مَجْهُودٌ. فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقَالَتْ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِى إِلا مَاءٌ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلُ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلُ ذَلِكَ: لا، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِى إِلا مَاءٌ. فَقَالَ: " مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ، رَحَمُهُ اللهِ ". فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَىْءٌ؟ قَالَتْ: لا، إِلا قُوتُ صِبْيَانِى. قَالَ: فَعَلَّلِيِهِمْ بِشَىْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِى السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأكُلَ فَقُومِى إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ. قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحديث الذى نزل فى قصته: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم} الآية (¬1)، وقوله: " إنى مجهود ": أى أصابنى الجهد، أى الهزال، رجل مجهود: أى هزيل، وقد يكون من الشدة والمبالغة فى الحاجة، ومنه جهد البلاء، وكله بالفتح. ومنه فى حديث المقداد بعده: " فذهبت أبصارنا وأسماعنا من الجهد ".
وسؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض نسائه عما تصنعوا به؟ فقالت: " ما عندى إلا ماء " وكذلك سائر أزواجه: فيه ما كان يتحفهم أحياناً من الضيقة وشدة العيش.
وقوله بعد: " من يضيفُ هذا ": فيه أنه بدأ أولاً بنفسه، وهذا حكم المواساة (¬2) فى الشدائد.
وقصة الأنصارى معه، فيه غاية بر الضيف، والإيثار، وحسن السياسة فى الأمور؛ إذ لو لم يطفئ السراج لرأى الضيف أنهم لا يأكلون ويؤثرونه، فربما امتنع من الأكل وأكل قليلاً. ومعنى " أهوى بيده ": أى أمالها لشىء يأخذه، وقد تقدم.
وقوله: " عجب ربكم من صنيعكم الليلة ": قيل: فيما جاء فى القرآن، والحديث من إضافة العجب إلى الله أى رضى فعل ذلك (¬3)، وقيل: جازى وأثاب عليه، وقيل: عظم
¬__________
(¬1) الحشر: 9.
(¬2) فى ح: المساواة، والمثبت من الأصل.
(¬3) الذى عليه مذهب السلف: هو إثبات تلك الصفة - وأمثالها - من غير تأويل أو تكييف.

الصفحة 543