كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 7)

(...) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ - وَهُوَ ابْنُ شَدَّادٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أويت إلى منزلى، والمأوى: المنزل، أى أدخلته، وأويت الرجل: أدخلته منزلى وضممته إليه، وأنزلته. " فآواه الله " [أى قبله وقربه وأجاب رغبته، وقيل: رحمه، وقد يكون] (¬1) آواه إلى جنته، وكله بمعنى متقارب.
وقوله فى الذى جلس خلف الحلقة: " وأما الآخر فاستحيا ": أى ترك المزاحمة والتخطى كما فعل الآخر حياءً من النبى وممن حضر، أو استحيا من النبى أن يُعرض ويذهب كما فعل الآخر. واستحياء الله منه: أى فرحمه ولم يعذبه وترك معاقبته على ما تقدم له من ذنب وغفر له. قال بعضهم: أى جازاه على فعله ولم يلحقه بدرجة صاحبه من قبوله وبره بإيوائه إليه، وتقريبه منه.
وأما قوله: " وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه ": أى لم يرحمه وسخط عليه، وهو معنى الإعراض من الله تعالى؛ لأن من أعرض عن نبيه وزهد فيه فليس بمؤمن، وإن كان هذا مؤمناً وذهب لحاجة من حوائج الدنيا وضرورة دعته إلى ذلك، فيكون إعراض الله - تعالى - عه ترك رحمته وعفوه، وتقريبه وقبوله الذى أعطاها صاحبيه، فلم يثبت له حسنة ولا نفى عنه سيئة؛ إذ لم يكن منه ما يثاب بذلك.
وفى هذا الحديث أبواب من الفقه والعلم منها: أولاً: قوله فى الحديث: فأقبل اثنان إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فسلما عليه] (¬2) تسليم الوارد على القوم، وأنه ابتدأهم بالسلام وتسليم القائم على القاعد، ولم يذكر فى الحديث رد السلام عليهما اكتفاء بشهرة الأمر، وكذلك لم يذكر أنهما حييا المسجد بالركوع، ولا أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهما بذلك. يحتمل أن إتيانهم كان من جانب المسجد، أو كانوا على طهارة، أو فى غير وقت ركوع أو قبل شرع الركوع، أو أنهما ركعا فلم يذكر ذلك الراوى، أو لأنه ليس بواجب، وقد سبق تعليم النبى له ولم يلزم أمرهم به.
وفيه أدب مجالسة العالم، والحرص على القُرب منه، وجواز التخطى إلى فرجة فى الحلقة إن كانت [فيها] (¬3) كما فعل الأول، والجلوس حيث انتهى به المجلس كما فعل الثانى، والاقتداء بالله فى إيواء من آوى إليه، والتفسح لقاصد المجلس، وجواز الإخبار
¬__________
(¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح.
(¬2) هذه اللفظة لم ترد فى مسلم، ولعلها فى النسخ التى فى يد القاضى ولم تصل إلينا، وكذلك لم ترد فى البخارى، ووردت فى الترمذى، ك الاستئذان 5/ 68.
(¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

الصفحة 67