كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 7)

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العَيْنُ حَقٌّ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله - عليه السلام -: " العين حق، ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا "، قال الإمام: بظاهر هذا الحديث أخذ الجمهور من علماء الأمة، وقد أنكره طوائف من المبتدعة. والدليل على فساد ما قالوه: أن كل معنى ليس بمحال فى نفسه ولا يؤدى إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل، فإنه من مجوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه فلا معنى لتكذيبه. وهل فرق بين تكذيبه فى هذا إذا ثبت جوازه ومن تكذيبه فيما يخبر من أخبار الآخر؟
وقد زعم بعض الطبائعيين (¬1) المثبتين لما أثبتناه من هذا: أن العائن تنبعث من عينه قوة سُمّية يتصل بالمعيون فيهلك أو يفسد، قالوا: لا يستنكر هذا، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقرب يتصل باللديغ فيهلك، وإن كان ذلك غير محسوس لنا، فكذلك العين.
وهذا عندنا غير مُسلم لأنا بينا فى كتب علم الكلام أن لا فاعل إلا الله تعالى، وبيّنا إفساد القول بالطبائع، وبينا أن المحدث لا يفعل فى غيره شيئاً. وهذه الفصول إذا تقررت لم تكن بنا حاجة معها إلى إثبات ما قالوه، ونقول:
هل هذا المنبعث من العين جوهر (¬2) أو عرض، فباطل أن يكون عرضاً، إذ العرض لا ينبعث ولا ينتقل، وباطل أن يكون جوهراً؛ إذ الجواهر متناجسة، فليس بعضها بأن يكون مفسداً لبعض أولى من أن يكون الآخر مفسداً له، فماذا بطل [أن يكون] (¬3) عرضاً أو جوهراً مفسداً على الحقيقة بطل ما يشيرون إليه. وأقرب طريقة سلكها من ينتحل الإسلام منهم أن يقول:
غير بعيد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين فتتصل بالمعيون وتتخلل (¬4) مسام جسمه فيخلق البارى - عز وجل - الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السم، عادة أجراها الله - سبحانه وتعالى - لا ضرورة، وطبيعة ألجأ العقل إليها.
وهكذا مذهب أهل السنة: أن المعيون إنما يفسد ويهلك عند نظر العائن بعادة أجراها - الله سبحانه - أن يخلق الضرر عند مقابلة شخص لشخص آخر. وهل لْم جواهر تخفى أم لا من
¬__________
(¬1) فى الأصل: الطائفتين، وهو تصحيف، والمثبت من ع والأبى، والنووى. انظر: النووى 14/ 171.
(¬2) قال ابن حزم: ذهب بعض المتكلمين إلى إثبات شىء سموه جوهراً ليس جسماً ولا عرضاً، وحد هذا الجوهر أنه قابل للمتضادات. الفصل فى الملل والنحل 5/ 66.
(¬3) فى ح: كونه.
(¬4) فى الأصل: تتحلل، والمثبت من ح.

الصفحة 82