كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 7)

ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ ليْلةٍ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا. ثُمَّ قَالَ: " يَا عَائِشَةُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فقد استبان من معانى هذه الروايات أن السحر إنما يسلط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله وقلبه واعتقاده، ويكون معنى قوله فى الحديث: " حتى يظن أنه يأتى أهله ولا يأتيهن "، ويروى: " يخيل إليه " أى يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن وزوال ما أنكر قبل من حاله، فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ولا يتمكن من ذلك، كما يعترى من وخذ وسحر عن ذلك، ويكون معنى قول عائشة فى الرواية الأخرى: " حتى إنه ليخيل إليه أنه [فعل] (¬1) شيئاً وما فعله " من باب ما اختل من بصره، فيظن أنه رأى شخصاً من بعض أزواجه أو غيرهن أو شاهد فعلاً من غيره، ولم يكن على ما يخيل إليه [للآفة الطارئة] (¬2) على بصره، لا لشىء طرأ عليه فى ميزه. وإذا كان هذا لم يكن فيما ذكر من إصابة السحر له وتأثيره فيه ما يدخل لبسًا على الرسالة، ولا يوجب (¬3) طعناً لأولى الضلالة.
قال الإمام: واختلف الناس فى القدر الذى يقع به السحر، ولهم فى ذلك اضطراب كثير. وقد رأيت بعض الناس ذهب إلى أنه لا يبلغ الأمر فيه إلى غريبة (¬4) تربى على التفرقة بين المرء وزوجه، وذكر أن الله - سبحانه - إنما ذكر ذلك تعظيماً لما يكون عنده (¬5) وتهويلاً له فى حقنا، فلو كان يقع عنه ما هو أعظم لذكره؛ إذ لا يضرب المثل عند المبالغة إلا باعلا أحوال المذكور.
ومذهب الأشعرية (¬6) أنه يجوز أن يقع عنه ما هو أكثر من ذلك والذى قالته الأشعرية هو الصحيح عقلاً، وإذا قلنا: إنه لا فاعل إلا الله - سبحانه - وأن ما يقع من ذلك عادة أجراها الله - تعالى - فلا تفترق الأفعال فى ذلك، وليس بعضها أولى من بعض، وهذا واضح، لكن إن ورد السمع بقصوره عن مرتبة ما وجب اتباع السمع فى ذلك وسمع قاطع يوجب الاقتصار على ما قاله من حكينا قوله لا يوجد. وذكر التفرقة بين الزوجين ليس بنص جلى فيما قاله، ولكنه إنما يبقى النظر فى كونه ظاهراً، والمراد فى المسألة القطع، فلذلك لم نشتغل (¬7) ها هنا بتحرير ما تعلق به من الآية.
¬__________
(¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح.
(¬2) فى ز: لأنه الصارمة، ولا معنى لها، والمثبت من ح.
(¬3) فى الأصل: يوجد.
(¬4) فى ز: عربية.
(¬5) فى ز، ع: عنه، والمثبت من ح.
(¬6) هو أصحاب أبى الحسن على بن إسماعيل الأشعرى، المولود بالبصرة سنة 260، وكان تلميذاً لأبى على الجبائى رئيس معتزلة البصرة، ثم خالفه وأعلن براءته من مذهب الاعتزال. انظر: الفصل فى الملل والنحل 1/ 181، فتاوى ابن تيمية 2/ 228، 5/ 556.
(¬7) فى ز: يستغل، والمثبت من ع، ح.

الصفحة 88