كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 8)

وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِىٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا. فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ. قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا. فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِى إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ. فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِىِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِىُّ؟ فَجَاؤُوا بِهِ. فَقَالَ: دَعُونِى حَتَّى أُصَلِّىَ. فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِىَّ فَطَعَنَ فِى بَطْنِهِ، وَقَالَ: يَا غُلَامُ، مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِى. قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ. وَقَالُوا: نَبْنِى لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا.
وَبَيْنَا صَبِىٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ، وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ، اجْعَلْ ابْنِى مِثْلَ هَذَا. فَتَرَكَ الثَّدْىَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ.
قَالَ: فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِى ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أجاب الله دعوتها فيه عقاباً له.
وقوله: " ديره ": الديرة: كنائس ينقطع فيها عباد النصارى، وهو نحو من قوله: " صومعته "، والصومعة: منارة للرهبان، ينفردون فيها وينقطعون عن الوصول إليهم والدخول عليهم. والمومسات: الفواجر مجاهرة، واحدها مومسة، ويجمع مياميس أيضًا.
وقوله: " امرأة يتمثل بحسنها ": أى يضرب به المثل.
وقولهم: " نبنى لك صومعتك بالذهب والفضة. قال: لا، ولكن أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا ": احتج به من يرى أن فى المتلفات كلها أمثالها، وأن من هدم حائطًا فعليه بناء مثله، وهو مذهب الكوفيين والشافعى وأبى ثور فى الحائط. وفى العتبية عن مالك مثله. ومذهب أهل الظاهر فى كل متلف. هذا ومشهور مذهب مالك وأصحابه، وجماعة من العلماء إلى أن فيه وفى سائر المتلفات المضمونات القيمة، إلا ما يرجع إلى الوزن والكيل.
ولا حجة لأولئك بهذا الحديث؛ لأنه فى شرع غيرنا، وليس فيه أن نبينا أمر بذلك. ولعله بتراضيهما، ألا ترى قولهم: " نبنيها لك بالذهب ": وهذا كان من طيب أنفسهم،

الصفحة 11