كتاب الإيمان بين السلف والمتكلمين
تمهيد
وقبل البدء في بيان المذاهب في الإيمان، أرى من المناسب أن أُنبَّه إلى أن المقصود بالسلف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم بإحسان، أولئك الرجال الذين سلكوا منهج القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، دون أن يحيدوا عنها إلى فلسفات عقلية، قد تجر صاحبها إلى مهالك لم يكن يتوقعها.
وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بأحسان، لم يكونوا لِيتكلموا في مسألة عقدية إلا بلسان القرآن، ومنطوق السنة، لأن العقيدة أمور تتعلّق بالغيب، ومبنية على التوقيف فلا اجتهاد فيها، وكل مسلم لا يسعه إلا الوقوف عند دلائل الوحي الإلهي. من هنا ورد بيان النبي صلى الله عليه وسلم للفرقة الناجية ـ بأنها المتمسكة بما هو عليه هو وأصحابه من التزامٍ لطريق الوحي، وتطبيقٍ لِما يرشد إليه.
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم، مدحه صلى الله عليه وسلم للقرون الثلاثة الأولى بقوله: " خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ". ومن استقرائنا لمنهج أصحاب هذه القرون الثلاثة من الصحابة الذين هم موضع القدوة للجميع، وهم المقصودون بالقرن الأول في الحديث، ومن التابعين الذين نهجوا نهجهم في الالتزام بالنصوص والوقوف عند دلائلها، وهم المعنيون بالقرن الثاني، ومن اتباع التابعين الذين سلكوا طريق سلفهم الصالح في ذلك المنهج، نجدهم قد اعتمدوا في بيان العقائد على الوحي، فلم يأخذوها إلا من الكتاب والسنة فيأخذون من القرآن أصل
الصفحة 9
227