فالمقصود أن ابن عمر فرق بينهما، بخلاف أبي أيوب الأنصاري.
أردنا أن نتفقه وأن ننظر أي القولين أشبه بالكتاب والسنة، فوجدنا أنه ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في «الصحيحين» (¬١) أنه بال مستدبرا للقبلة في البنيان، وهذا القول أشبه بقول المفرِّق بين البنيان والصحراء، فلذلك رجح قول ابن عمر.
فإن قيل: لم لا يقال بجواز الاستدبار دون الاستقبال؟
يقال: لأن هذا القول ليس عند الصحابة، وإنما الصحابة اختلفوا على قولين، ولا يجوز أن نخرج عن قوليهم، وهذه قاعدةٌ مهمةٌ؛ سئل الإمام أحمد عن رجل يقول: إذا اختلف الصحابة على قولين فنخرج عن قوليهم، قال: هذا قولٌ خبيثٌ، هذا قول أهل البدع (¬٢)؛ لأننا مأمورون أن نتبع سبيل المؤمنين، فسبيل المؤمنين في هذه المسألة قولان، فلا نخرج عنهما.
المثال الثاني: تنازع العلماء في صلاة سنن الرواتب للمسافر: هل تصلى أو لا تصلى؟
في المسألة قولان:
القول الأول: قول ابن عمر: أنها لا تصلى (¬٣).
والقول الثاني: أنها تصلى، وهو قول جمهور الصحابة، نقله الحسن البصري عن الصحابة، وهو قول جابر، وابن عباس، وجماعة من الصحابة (¬٤).
وأشبه القولين بالكتاب والسنة يتضح بالنظر في الأدلة:
فقد ثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي قتادة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مسافرا،
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (١٤٥)، و (١٤٨)، ومسلم (٢٦٦).
(¬٢) انظر: المسودة ص ٣١٥ و العدة لأبي يعلى (٤/ ١٠٥٩).
(¬٣) أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (٢٧٦٣).
وانظر: مسلم (٦٨٩).
(¬٤) انظر: «الأوسط» لابن المنذر (٥/ ٢٤٨).