كتاب الانتصار في حجية قول الصحابة الأخيار

ففاتته صلاة الفجر، فقام وصلى راتبة الفجر، ثم صلى الفجر كما كان يصلي (¬١).
إذن صلى الراتبة، وهذا يوافق قول جمهور الصحابة فهو أشبه بالكتاب والسنة.
ولو قال قائل: لا تصلى من الرواتب إلا راتبة الفجر، يقال: هذا قول محدثٌ من جهة أقوال الصحابة، ولم يثبت هذا فيما أعلم لا عن ابن عمر ولا عن غيره: أي الاستثناء، وإنما الذي ثبت عن ابن عمر أنه لا يُصلِّى مطلقا، أو يُفرِّق بين الليل والنهار: أي يجوز صلاة الراتبة في الليل دون النهار (¬٢).
وعلى كلا الاحتمالين: فمقتضى مذهبه أن راتبة الفجر لا تصلى، وقد ثبت في السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى راتبة الفجر في السفر، فدل هذا على أن المسافر يصلي الراتبة، وهذا هو القول المشهور عند المذاهب الأربعة، بل على هذا المذاهب الأربعة (¬٣).
المثال الثالث: علّق البخاري عن بُريدة بن الحُصيب ـ رضي الله عنه ـ، أنه أوصى أن يجعل على قبره جريدان (¬٤)؛ لأنه ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس في «الصحيحين»، أنه وضع على القبر جريدا رطبا، ثم قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» (¬٥)، ففعل ذلك بُريدة بن الحُصيب ـ رضي الله عنه ـ وخالفه ابن عمر، ذكر البخاري أن ابن عمر لما رأى رجلا يظلل القبر، قال: لا تظله، وإنما يظله عمله (¬٦)، فالميت
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (٦٨١).
(¬٢) أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (٢٧٦٤) عن ابن عمر.
(¬٣) انظر: «الدر المختار مع حاشية ابن عابدين» (٢/ ١٣١)، و «الاستذكار» لابن عبد البر (٢/ ٢٥٤)، و «المجموع» للنووي (٤/ ٤٠٠ - ٤٠١)، «الإنصاف» للمرداوي (٢/ ٣٢٢).
(¬٤) أخرجه البخاري تعليقًا في (٢/ ٩٥) قبل حديث (١٣٦١).
(¬٥) أخرجه البخاري (١٣٦١)، ومسلم (٢٩٢).
(¬٦) أخرجه البخاري تعليقًا في (٢/ ٩٥) قبل حديث (١٣٦١).

الصفحة 40