كتاب الإحكام في أصول الأحكام - ابن حزم (اسم الجزء: 3)
نرى إن شاء الله تعالى مسألة فيها تخصيص مترادف مرآة لكيفية العمل فيما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق فنقول قال الله عز وجل {هو لذي خلق لكم ما في لأرض جميعا ثم ستوى إلى لسمآء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم} فلا نص أكثر معاني ولا أعلم من هذا وفيه إباحة النساء والمآكل كلها وكل ما في الأرض وقال تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن لله خبير بما يصنعون} فلا شيء بعد النص المذكور آنفا أعم ولا أكثر معاني من هذا النص الثاني فلو لم يرد غيرهما لحرم النكاح جملة والوطء بالبتة ولكان النساء كلهن مستثنيات مما أبيح النص الأكثر المذكور آنفا فلو لم يرد غير هذين النصين لحرم النساء جملة وقال تعالى {وإن خفتم ألا تقسطوا في ليتامى فنكحوا ما طاب لكم من لنسآء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} فكان هذا مبيحا لما حظر النص المذكور الذي فيه حفظ الفروج لو لم يرد غير هذه النصوص لوجب الأخذ بالتحريم لأن الآية التي فيها إباحة النكاح موافقة للنص الأكثر الذي فيه إباحة كل ما في العالم وإنما هي تأكيد وتكرار كسائر ما في القرآن من التكرار والتأكيد الذي أورده الله تعالى كما شاء {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} كما كرر تعالى أخبار الأنبياء عليهم السلام {وأقيموا لصلاة وآتوا لزكاة وركعوا مع لراكعين} و {يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} فكرر إباحة
نكاح النساء كما شاء ولسنا نقول إن شيئا من هذه النصوص قبل كل شيء ولا أن شيئا منها بعد شيء وسواء نزل بعضها قبل بعض أو نزلت معا لا فرق عندنا بين شيء من ذلك وليس شيء مما نزل بعد رافعا لشيء نزل قبل إلا بنص جلي في أنه رافع له أو بإجماع على ذلك وإلا فهو مضاف إليه ومعمول به معه ضرورة لا بد من ذلك فلما
صح ما قلنا من استثناء تحريم النكاح جملة مما أباح تعالى لنا ووجدناه تعالى قد استثنى إباحة النكاح من حفظ الفروج استثناء تاما بقوله تعالى {ولذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن بتغى ورآء ذلك فأولئك هم لعادون} فصح يقينا أن الزواج وملك اليمين مستثنى مما حرم من إهمال الفروج ثم
الصفحة 144
162