كتاب الإحكام في أصول الأحكام - ابن حزم (اسم الجزء: 3)

دون على كل ما يقتضيه من أقل ومن غير فسقت بذلك الزكاة عن الخضراوات كلها والقطاني والفاكهة وسائر الثمار كلها لأنها غير الحب والتمر ووجب حمل الحب على ما يقع عليه في اللغة لا يقع على القمح والشعير فقط ذكر ذلك الكسائي وغيره من ثقات أهل اللغة في علمهم ودينهم ومثل ما جاء أنه عليه السلام كان يجعل فضل المال في الكراع والسلاح فوجب وضعه في كل ما يسمى كراعا وسلاحا ولذلك لم يجز تحبيس شيء من الأموال إلا ما جاء فيه نص لأنه شرع شريعة فلا يحل الحكم بها إلا بنص وأجزنا أن يحبس المرء على نفسه لأنه داخل في عموم قوله عليه السلام إن شئت حبست الأصل وتصدقت بالثمرة فجائز للمرء أن يتصدق على نفسه وعلى غيره لأنه كله تصدق وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ابدأ بنفسك فتصدق عليها قال أبو محمد وذكر بعض أهل الكلام في هذا الباب حديثا رواه أبو عبيد في غريب الحديث وهو أمره عليه السلام قوما من جهينة بإدفاء رجل كان أصابه البرد والإدفاء في لغتهم القتل فقتلوه قال علي وهذا حديث مكذوب لا يصح البتة بل نحن على يقين من كذب مفتري لأنه عليه السلام أفصح العرب وأعرفهم في لغتهم ومأمور بالبيان وليس من البيان أن يأمرهم بكلام يقتضي عندهم غير مراده صلى الله عليه وسلم ولا حجة لهم في قصة عدي في الخيطين لأن عديا من قبله أتى سوء الفهم وقد كان لعدي في قوله تعالى {أحل لكم ليلة لصيام لرفث إلى نسآئكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم لله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فلآن باشروهن وبتغوا ما كتب لله لكم وكلوا وشربوا حتى يتبين لكم لخيط لأبيض من لخيط لأسود من لفجر ثم أتموا لصيام إلى لليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في لمساجد تلك حدود لله فلا تقربوها كذلك يبين لله آياته للناس لعلهم يتقون} كفاية في أن المراد خيط الفجر من خيط الليل وقد كان نزل بعد {دد وقد فعل فعل عدي سائر الصحابة رضوان الله عليهم وهم أهل اللغة
وأصابوا في ذلك حتى نزل {لل وانتقلوا عن الظاهر الأول إلى الظاهر النازل بعده وهذا هو الذي لا يجوز لأحد تعديه وبالله تعالى التوفيق وهو الموفق للصواب

الصفحة 160