كتاب الإحكام في أصول الأحكام - ابن حزم (اسم الجزء: 5)
سوطا أو إيجاب أربع ركعات وصوم يومين بل هذه حدود الله تعالى التي حرم تعديها وأخبر أن متعديها من الظالمين بقوله تعالى {يأيها لنبي إذا طلقتم لنسآء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا لعدة وتقوا لله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود لله ومن يتعد حدود لله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل لله يحدث بعد ذلك أمرا} فهذا فرق أوضح من الشمس لا يراها العميان وقد تغيب عن بعض الأماكن في بعض الأوقات وهذا برهان لا يغيب نوره أبدا ويراه كل ذي عقل وحس سليم ممن خوطب بالديانة وأيضا فإن أقل ما قيل حق ويقين لأنه إجماع وخصمنا موافق لنا على وجوبه والزيادة عليه شك ودعوى وظن ولا يحل رفع اليقين بالشك ولا ترك الحق بالظن ولا مفارقة الواجب بالدعوى وقد حرم الله تعالى ذلك إذ يقول عز وجل {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا لظن وإن لظن لا يغني من لحق شيئا} وفيما ذكرنا كفاية لمن له عقل ونصح نفسه وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل أنتم تقولون إن الإجماع والنص أصلان والعمل بهما فرض وأنتم تأخذون في النص بالزائد أبدا ولا تأخذون بالمتيقن عليه وتأخذون في الإجماع بأقل ما قيل وهو المتفق عليه فكيف هذا فالجواب وبالله تعالى التوفيق إن الإجماع راجع إلى النص وإلى التوقيف كما بينا في أول الكلام في الإجماع وإنما أخذنا به لأنه نقل العمل أو إقرار على أمر معلوم علمه عليه السلام فأقره ولم ينكره
وليس اختلاف الموجبين للمقادير المختلفة في الأحكام نقلا لشيء من ذلك وإنما هو أن ما عدم أن يقوم عليه دليل نص فإما رأى من قائله أو قياس أو تقليد وكل ذلك باطل ودعوى بلا دليل فلذلك لزم تركه وأما الزيادة في النص من أحد الرواة فهو نقل صحيح والأخذ بالنقل الصحيح واجب والسبب الموجب لقبول الزيادة من العدل في الرواية هو السبب نفسه الموجب
لقبول أقل ما قيل في الإجماع إنما ذلك قبول ما صح من النقل فقط وأما ما اختلف فيه ولم يأت أحد من المختلفين فيه بنص فليس نقلا والسبب المانع من قبول التقليد
الصفحة 60
189