كتاب الإحكام في أصول الأحكام - ابن حزم (اسم الجزء: 6)
إلا بأن يطأها الثاني وينزل وإلا فلا وجعل الإنزال تمام ذوق العسيلة وهم لا يقولون بذلك وأيضا فإنهم يبيحون للمرء نكاح من زنى بها أبوه ولا يحرمون عليه امرأته إن زنى بجريمتها فهنا لا يدخلون التحريم بأرق سبب بل بأغلظ سبب وهو المتفق عليه في وطء الحلال ويبيحون قتل المقر بالزنى مرة واحدة فيدخلون التحليل على الدم الحرام الذي هو أغلظ الحرمات بأرق سبب وغيرهم لا يبيح دمه إلا بإقرار أربع مرات يثبت عليها ولا يرجع عنها أصلا وكل هذا تناقض منهم وهدم لما أصلوه من أن التحريم يدخل بأرق الأسباب ولا يدخل التحليل إلا بأغلظ الأسباب ومما يبطل قولهم غاية الإبطال قول الله تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم لكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على لله لكذب إن لذين يفترون على لله لكذب لا يفلحون} وقوله تعالى {قل أرأيتم مآ أنزل لله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل ءآلله أذن لكم أم على لله تفترون} فصح بهاتين الآيتين أن كل من حلل أو حرم ما لم يأت بإذن من الله تعالى في تحريمه أو تحليله فقد افترى على الله كذبا ونحن على يقين من أن الله تعالى قد أحل لنا كل ما خلق في الأرض إلا ما فصل لنا تحريمه بالنص لقوله تعالى {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر سم لله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما ضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بلمعتدين} فبطل بهذين النصين الجليين أن يحرم أحد شيئا باحتياط أو خوف تذرع وأيضا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من توهم أنه أحدث ألا يلتفت إلى ذلك وأن يتمادى في صلاته وعلى حكم طهارته هذا في الصلاة التي هي أوكد الشرائع حتى يسمع صوتا أو يشم رائحة فلو كان الحكم الاحتياط حقا
لكانت الصلاة أولى ما احتيط لها ولكن الله تعالى لم يجعل لغير اليقين حكما فوجب بما ذكرنا أن كل
ما تيقن تحريمه فلا ينتقل إلى التحليل إلا بيقين آخر من نص أو إجماع وكل ما تيقن تحليله فلا سبيل أن ينتقل إلى التحريم إلا بيقين آخر من نص أو إجماع وبطل الحكم باحتياط
الصفحة 12
184