كتاب الإحكام في أصول الأحكام - ابن حزم (اسم الجزء: 6)

إلا ما نهى عنه تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وجواب لهم ثان أجاب به الكرخي وهو أن قال هو أدق القياسين قال أبو محمد وهذا القول يبطله كل ما نورده إن شاء الله في باب إبطال القياس من ديواننا هذا وبالله تعالى التوفيق ويقال لهم إن كان ههنا قياس يوجب ترك قياس آخر ويضاده ويبطله فقد صح بطلان دلالة القياس بإقراركم وصح بالبرهان الضروري إبطال القياس كله جملة بهذا العمل لأن الحق لا يتضاد ولا يبطل بعضه بعضا ولا يضاد برهان برهانا أبدا لأن معنى المضاد أن يبطل أحد المعنيين الآخر والشيء إذا أبطله الحق فقد بطل والباطل لا يكون حقا في حال كونه باطلا وإذا أبطل بعض الشيء بعضا فواجب أن يكون كله باطلا لما قلنا من أن الحق لا يبطل بعضه بعضا فإذا شهد بعض القياس عندكم بإبطال بعض قياس آخر فنوع القياس كله متفاسد مبطل بعضه بعضا فهو كله باطل فإن قالوا إن الحديث ينقض بعضه بعضا وكذلك الآي على سبيل النسخ وكذلك النظر وليس ذلك دليلا على بطلان جميع القرآن والحديث والنظر
قال أبو محمد فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق هذا تمويه شديد ولا يجوز أن تبطل آية آية أخرى ولا حديث حديثا آخر إلا من طريق النسخ أو يكون أحد الحديثين ضعيف النقل فليس داخلا حينئذ فيمال أمرنا بطاعته وكذلك النظر لأن النظر الصحيح إنما هو البرهان وإنما تأتي أغاليط وشبه بظن قوم أنها برهان وليست برهانا فليس هذا داخلا في النظر وليس ما قلتم في القياسين من هذا الباب في شيء لأن القياس ليس فيه ناسخ ولا منسوخ ولا قلتم إن أحد القياسين مموه ليس قياسا بل قلتم هما معا قياس فاستحسنا أدقهما فتركتم أحد القياسين وأبطلتموه وأنتم تقرون أنه قياس وإذا كان بعض النوع باطلا فهو كله باطل ولا يجوز أن يجمع الحق والباطل نوع واحد أبدا

الصفحة 20