كتاب الإحكام في أصول الأحكام - ابن حزم (اسم الجزء: 8)

باطل بإجماع ولا سبيل إلى وجود نص ولا إجماع يصحح هذه الدعوى ولا فرق بينها وبين من جعل قول إنسان من العلماء بعينه دليلا على مراد الله تعالى في تلك المسألة وكل هذا باطل وافتراء على الله تعالى وأيضا فإنهم في التشابه الموجب للحكم مختلفون فبعضهم يجعل صفة ما علة لذلك الحكم وبعضهم يمنع من ذلك ويأتي بعلة أخرى وهذا كله تحكم بلا دليل وقد صحح بعضهم العلة بطردها في معلولاتها وهذا تخليط تام لأن الطرد إنما يصحح بعد صحة العلة لأن الطرد إنما هو فرع يوجبه صحة العلة وإلا فهو باطل ومن المحال ألا يصح الأصل إلا بصحة الفروع وأيضا فإنهم إذا اختلفوا في طرد تلك العلة فليس من طردها ليصححها بأولى ممن لم يطردها ليبطلها وطرد غيرها وهذا كله تحكم في الدين لا يجوز وذلك نحو طرد الشافعي علة الأكل في الربا ومنع أبي حنيفة ومالك من ذلك وطرد أبي حنيفة علة الوزن
والكيل ومنع مالك والشافعي من ذلك وطرد مالك علة الادخار والأكل ومنع أبي حنيفة والشافعي من ذلك فإن قالوا فأرونا جمع النوازل منصوصا عليها قلنا لو عجزنا عن ذلك لما كان عجزنا حجة على الله تعالى ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم إذ لم ندع لكم الواحد فالواحد منه الإحاطة بجميع الفتن لكن حسبنا أننا نقطع بأن الله تعالى بين لنا كل ما يقع من أحكام الدين إلى يوم القيامة فكيف ونحن نأتيكم
بنص واحد فيه كل نازلة وقعت أو تقع إلى يوم القيامة وهو الخبر الصحيح الذي ذكرناه قبل بإسناده وهو قوله صلى الله عليه وسلم دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه فصح نصا أن ما لم يقل فيه

الصفحة 6