كتاب إشارات الإعجاز

فيكون جهلا مركباً فلا يجديهم النصيحة، فلابد ان يعرض عنهم صفحاً؛ اذ لا يفهم النصيحة الا من يعلم جهلَه.
وأما وجه النظم في هيئات كل جملة جملة:
ففي جملة (واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) لفظ (اذا) بجزميته رمز الى لزوم الارشاد بالامر بالمعروف.. وبناء المفعول في (قيل) ايماء الى ان وجوب النصيحة على سبيل الكفاية كما مر..
ولفظ (آمنوا) بدل "اخلصوا في ايمانكم" اشارة الى ان الايمان بلا إخلاص ليس بايمان..
ولفظ (كما آمن) تلويح بالأسوة الحسنة وحسن المثال ليخلصوا على منواله..
وفي لفظ (الناس) نكتتان: وهما السبب في جعل الوجدان آمراً بالمعروف دائما؛ اذ (كما آمن السفهاء) يترشح بـ "فاتبعوا جمهور الناس اذ مخالفة الجمهور خطأ من شأن القلب ان لا يقدم عليه"، وأيضا يلوح بانهم هم الناس فقط كأن من عداهم ليسوا بانسان الا صورة، إما بترقى هؤلاء في الكمالات وانحصار حقيقة الانسانية عليهم وإما بتدني اولئك عن مرتبة الانسانية.
اما جملة (قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) التي مآلها: لا نقبل النصيحة كيف نكون كهؤلاء الأذلاّء؛ اذ هم في نظرنا سفهاء ولا نقاس نحن معاشر أهل الجاه عليهم.. ففي لفظ (قالوا) رمز الى تبرئة النفس وترويج المسلك والاستغناء عن النصيحة والغرور والدعوى.. وفي لفظ (أنؤمن) بالاستفهام الانكاريّ اشارة الى شدة تمردهم في جهلهم المركب، كأنهم بصورة الاستفهام يقولون: ايها الناصح راجع وجدانك هل ترى انصافك يقبل ردّنا.؟ ثم ان في متعلق "قالوا" وجوهاً ثلاثة مترتبة؛ أي: قالوا لأنفسهم، ثم لأبناء جنسهم، ثم لمرشدهم، كما هو شأن كل متنصح اذا نصحه الناصح، فاول الأمر يشاور مع نفسه، ثم يحاور مع ابناء جنسه، ثم يراجعك بنتيجة محاكمتهم. فعلى هذا لما قيل لهم ما قيل راجعوا قلوبهم المتفسدة ووجدانهم المتفسخ فاشارت عليهم بالانكار، فقالوا مترجمين عما في ضميرهم، ثم راجعوا بنظر الافساد الى اخوانهم، فاشاروا عليهم أيضاً بالانكار فأخذوا بنجواهم

الصفحة 103