كتاب إشارات الإعجاز
ولقد لقى، رحمه الله تعالى في سبيل ذلك مالقى، مما ليس جزاؤه الا عند الله تعالى البصير بعباده الصالحين واوليائه الصادقين وعلمائه المجاهدين، الذين صدقوا العهد مع الله تعالى، ولم يخشوا فيه سبحانه لومة لائم.
وهذا الكتاب الذي بين يديك - قارئي العزيز - جليل القدر، رصين السبك، قوي الحجة، يمثل اجلى تمثيل القدرة السَرَيانية الفائقة للاستاذ النورسى، وراء المعاني الدقيقة في كتاباته كلها، لاسيما العلمية المختصة منها. ولقد كانت تلك موهبة عبقرية، وهبه الله تعالى اياه، لينظر في كتاب الله تعالى من خلالها ببصيرة نافذة، ومعرفة كلامية وبلاغية عميقة، وذوق ذاتي رفيع، ومنهج عقلي سديد، يلتمس الكشف عن الحقيقة، ويبغي ايصال الانسان الى اقتناع كامل بكون هذا القرآن معجزاً، بحيث يجد العقلاء والفصحاء في انفسهم ضرورة الايمان والاعتراف بانه الكتاب الحق الذي نزل من عند علام الغيوب على رسوله الاكرم محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة وازكى التسليم، كي يضع الانسانية على طريق دعوة الحق، وينور بصيرتها بنور الايمان، وادراك اليقين للوصول الى العبودية الخالصة لرب العالمين.
لقد استطاع الاستاذ النورسى ان يصقل موهبته الفذة بدراسة العلوم الاسلامية والفلسفات القديمة والعلوم الانسانية والصرفة المعاصرة، زيادة على اطلاعه الواسع على الادب والبلاغة العربية في كتب امثال الجاحظ والزمخشري والسكاكي لاسيما كتب النحوي البلاغي الكبير الامام عبد القاهر الجرجاني حيث آمن بنظريته المشهورة في النظم واعجب بها ايما اعجاب في هذا الكتاب.
ولم تكن نظرية النظم جديدة اخترعها الجرجاني من غير مقدمات، وانما لفت النظر اليها الجاحظ في كتابه نظم القرآن والواسطي في كتابه اعجاز القرآن في نظمه والباقلاني في كتابه اعجاز القرآن غير ان الجرجاني شرحها شرحا نحويا بيانيا وافيا مترابطا وصاغ منها نظرية متكاملة تقوم على اساس عدم الفصل بين اللفظ ومعناه وبين الشكل والمضمون وقرر ان البلاغة في النظم لافي الكلمة المفردة ولا في مجرد المعاني، دون تصوير الالفاظ لها. وبناء على ذلك فانه يعرّف النظم بانه: تعليق
الصفحة 5
336