كتاب إشارات الإعجاز

اما تحليل كلمات هذه الآية ونظمها:
فاعلم! ان ربط (ختم) بـ "لايؤمنون" وتعقيبه به نظير ترتب العقاب على العمل. كأنه يقول لما افسدوا الجزء الاختياري ولم يؤمنوا عوقبوا بختم القلب وسدّه. ثم لفظ "الختم" يشير الى استعارة مركبة تومئ الى اسلوب تمثيلي يرمز الى ضربِ مَثَلٍ يصوِّر ضلالتهم؛ اذ المعنى فيه منع نفوذ الحق الى القلب. فالتعبير بالختم يصور القلب بيتاً بناه الله تعالى ليكون خزينة الجواهر، ثم بسوء الاختيار فسد وتعفن وصار ما فيه سموما فاُغلق واُمهر ليُجتنب.
واما (الله) فاعلم! ان فيه التفاتاً من التكلم الى الغيبة. ومع نكتة الالتفات ففي مناسبة لفظ "الله" مع متعلق "لايؤمنون" في النية، أعني لفظ "بالله"، اشارة الى لطافة، هي انه لما جاء نور معرفة الله اليهم فلم يفتحوا باب قلبهم له تولى عنه مغضباً واغلق الباب عليهم.
واما (على) فاعلم! ان فيه - بناء على كون الختم متعدياً بنفسه - اشارة الى تضمين ختم "وسم"، كأنه يقول: جعل الله الختم وسماً وعلامةً على القلب يتوسمه الملائكة.. وفي "على" أيضا ايماء الى ان المسدود الباب العلوي من القلب لا الباب السفلي الناظر الى الدنيا.
واما (قلوبهم) قدّمه على السمع والبصر لانه هو محل الايمان.. ولان اول دلائل الصانع يتجلى من مشاورة القلب مع نفسه، ومراجعة الوجدان الى فطرته، لانه اذا راجع نفسه يحس بعجز شديد يلجؤه الى نقطة استناد، ويرى احتياجاً شديداً لتنمية آماله فيضطر الى نقطة استمداد، ولا استناد ولا استمداد الا بالايمان.. ثم ان المراد بالقلب اللطيفة الربانية التي مظهر حسيّاتها الوجدان، ومعكس افكارها الدماغ، لا الجسم الصنوبري. فاذاً في التعبير بالقلب رمز الى ان اللطيفة الربانية لمعنويات الانسان كالجسم الصنوبري لجسده. فكما ان ذلك الجسم ماكينة حياتية تنشر ماء الحياة لأقطار البدن، واذا انسد وسكن جمد الجسد؛ كذلك تلك اللطيفة تنشر نور الحياة الحقيقية لاقطار الهيئة المجسمة من معنوياته واحواله وآماله. واذا زال نور الايمان - العياذ بالله - صارت ماهيته التي يصارع بها الكائنات كشبحٍ لاحراك به واظلم عليه.

الصفحة 84