كتاب الاستدراك الفقهي تأصيلا وتطبيقا

بعد بيان حقيقة الاستدراك الفقهي ومناهجه ومعاييره أحاولُ هنا جمع جملة من آداب أدائه وتلقّيه.
وأهمية بيان آدابه تُجليها عبارة صاحب (الجدل على طريقة الفقهاء) عن آداب الجدل حيث قال: «فأما آدابه التي إذا استعملها الخصم وصل إلى بغيته، وإن لم يستعملها كثر غلطه واضطرب عليه أمره ... » (¬1) وعدّدها. وهذا القول يُمكن قوله في الاستدراكات الفقهية؛ لأنها صورة من صور الجدل، فهي تشترك معه في تعاطي الآراء بالتلافي - في نظر المتلافي - وتوجيه ذلك إلى مُخالف.
وقد نقلت لنا الكتب اهتمام العلماء بالأدب في الاستدراك، من ذلك ما نقله ابن رجب من استحسان الإمام أحمد لما حُكي عن حاتم الأصم، أنه قيل لحاتم: أنت رجل أعجمي لا تفصح، وما ناظرك أحد إلا قطعته، فبأي شيء تغلب خصمك؟ فقال: بثلاث: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ لساني عنه أن أقول له ما يسوؤه. أو معنى هذا، فقال أحمد: «ما أعقله من رجل! » (¬2).
والآداب تكون في الأداء والتلقّي، فالأول يتعلق بالمُستدرِك، والثاني يتعلق بالمستدرَك عليه في المقام الأول، أو الناظر في الاستدراك، وقد يتفرد كل من المستدرِك والمستدرَك عليه بأدب، وقد يشتركان في آداب، وعليه فأناقش هذه الآداب في ثلاثة مباحث، على النحو التالي:
¬_________
(¬1) علي بن عقيل بن محمد البغدادي، (2).
(¬2) الفرق بين النصيحة والتعيير، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، (10).

الصفحة 460