كتاب الاستدراك الفقهي تأصيلا وتطبيقا

والشاهد في وصف أبي موسى لابن مسعود - رضي الله عنهما - بأنه حَبْر، بعدما بلغه الاستدراك عليه، وهذا اعتراف منه بفضل ابن مسعود في العلم.

3 - التواضع: تواضع المستدرِك فلا يرى لنفسه فضلاً على المستدرَك عليه، وتواضع المستدرَك عليه فلا يرى نفسه أعلى من أن يستدرك عليه.
ومن نماذج تواضع المستدرِك:
عَنْ وَبَرَةَ (¬1)
قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَقَدْ أَحْرَمْتُ بِالْحَجِّ؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ ابْنَ فُلاَنٍ (¬2) يَكْرَهُهُ وَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ، رَأَيْنَاهُ قَدْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا. فَقَالَ: وَأَيُّنَا - أَوْ أَيُّكُمْ - لَمْ تَفْتِنْهُ الدُّنْيَا؟ ! ثُمَّ قَالَ: رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَسُنَّةُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعَ مِنْ سُنَّةِ فُلاَنٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا (¬3).
والشاهد في قوله: «وَأَيُّنَا - أَوْ أَيُّكُمْ - لَمْ تَفْتِنْهُ الدُّنْيَا؟ ! »، قال النووي: «وأما قول ابن عمر: «وأينا لم تفتنه الدنيا» فهذا من زهده وتواضعه وإنصافه» (¬4).
ومن نماذج تواضع المستدرَك عليه:
في (مصنف عبد الرزاق) عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: لا تغالوا في مهور النساء. فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر؛ إن الله يقول: (وإن
¬_________
(¬1) هو: أبو خزيمة، ويقال أبو العباس، وبرة بن عبد الرحمن المسلي الكوفي، ثقة، توفي سنة 116 هـ.

[يُنظر: تهذيب الكمال، (30/ 426). و: تقريب التهذيب، (1035)].
(¬2) يقصد به ابن عباس - رضي الله عنهما - كما هو مصرّح به في الرواية الأخرى. [يُنظر: صحيح مسلم، (566)، ك الحج، ب ما يلزم من أحرم بالحج ثم قدم مكة من الطواف والسعي، رقم (187 - 1233)].
(¬3) صحيح مسلم، (566)، ك الحج، ب ما يلزم من أحرم بالحج ثم قدم مكة من الطواف والسعي، رقم (188 - 1233).
(¬4) صحيح مسلم بشرح النووي، (8/ 218). ويُنظر: إكمال المعلم، (4/ 311).

الصفحة 466