كتاب الاستدراك الفقهي تأصيلا وتطبيقا

وقد يقتضي الحال الشدة كأن تكون المخالفة صريحة للنصوص مع من يتقبل الشدة.
ونبّه على ذلك الباحث/ محمد عيد، موجّهًا به بعض الشدة الصادرة من بعض الصحابة في استدراكاتهم على بعضهم، ومثّل له بتشديد عبد الله بن الزبير على ابن عباس - رضي الله عنهم - لما قال بحل نكاح المتعة، حيث قال ابن الزبير - رضي الله عنهما -: «إِنَّ نَاسًا - أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ - يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ - يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ (¬1) - فَنَادَاهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَهَا لأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ» (¬2).
قال الباحث محمد عيد: «فأنت ترى هذا التشديد على ابن عباس - رضي الله عنهما - وما ذاك إلا لأنه إمام منظور إليه ومقتدى به» (¬3).
وهو أمرٌ تُراعى فيه المقاصد وكيفية سلامة تحقيقها، والناس مراتب وأنواع، فعلى المستدرك أن يُراعي ذلك كله، ويسلك من اللين والشدة ما كان أنجع وأسلم في تحقيق المقصد من الاستدراك.

2 - الحرص على إيضاح الحق وإيصاله لكل من يحتاجه.
وتُطالعُنا الكتب بنماذج لهذا الحرص، حيث مُورس الاستدراك في ظروف صعبة يمر بها المستدرك، من ذلك استدراك عمر - رضي الله عنه - على الشاب الذي زاره في مرض موته، وقال له - أي الشاب -: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. فقال له عمر - رضي الله عنه -: وددت
¬_________
(¬1) هو ابن عباس - رضي الله عنهما -. [يُنظر: صحيح مسلم بشرح النووي، (9/ 188)].
(¬2) صحيح مسلم، (634)، ك النكاح، ب نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتَقَرَّ تَحْرِيمُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، رقم (27 - 1406).
(¬3) كشف الغطاء عن استدراكات الصحابة النبلاء - رضي الله عنهم - بعضهم على بعض من خلال الكتب الستة، (93).

الصفحة 473