كتاب الاستدراك الفقهي تأصيلا وتطبيقا

أو عدمه للتثبت، ذلك أنه قال له في آخر كلامه: «إِنْ كُنْتَ صَادِقًا». والنموذج قد تقدم ذكره في أدب التواضع في المبحث الأول (¬1).
فالشاهد في قوله: «إن كنت صادقًا»، حيثُ علّق الأمر ولم يجزم بنسبته إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - ووجّه الاستدراك على ذات القول؛ لأنه في ظرفٍ لا يُتيح له سعةَ التثبّت، لحاجة السائل الحالية إلى الفتوى.
4 - الحفاظ على قول المستدرَك عليه، بحيث لا يُغيّر كلامه بما يُحيل المعنى.
وعدّه صاحب (الجدل على طريقة الفقهاء) من أدب الجدل (¬2).
5 - العدل والإنصاف.
يقول ابن تيمية: «ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة، مثل الملوك المختلفين على الملك، والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل، لا بجهل وظلم، فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقا لا يباح قط بحال» (¬3).
وقد أنكر ابن دقيق العيد على من انتقد (جامع الأمهات) من دافع الحسد، وقال: «فتارة يُعاب لفظه بالتعقيد، وطورًا يقال: لقد رمى المعنى من أمد بعيد، ومرة ينسب إلى السهو والغلط، وأخرى رجح غير المشهور، وذلك معدود من السقط، وجعل ذلك ذريعة إلى التنفير عن كتابه ... وذلك عندنا من الجور البين، والطريق الذي سلوك سواه والعدول عنه متعين» ثم أوضح الموقف الصحيح من هذه الأمور فقال: «فأما الاعتراض بالتعقيد والإغماض فربما كان سببه بعد الفهم ... وإنما وضعت هذه المختصرات لقرائح غير قرائح ... فربما أخذها القاصر ذهنا فما فك لها لفظًا، ولا طرق لها معنى، فإن وقف هناك وسلّم سلِم، وإن أنف بالنسبة إلى التقصير فأطلق لسانه أثم ... وأما السهو والغلط فما أمكن تأويله على شيء يتأول، وما وجد سبيل واضح إلى توجيه حمل على
¬_________
(¬1) يُنظر: (466) من هذا الفصل.
(¬2) يُنظر: (2).
(¬3) منهاج السنة النبوية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، (5/ 126).

الصفحة 475