كتاب الاستدراك الفقهي تأصيلا وتطبيقا

جاءت به الشريعة، لا إلى الأشخاص، وقد يكون الرجل من الأولياء وأهل الجنة، وله غلطات، فلا تمنع منزلته بيان زلله» (¬1).
ومن مواقف الفقهاء في الشجاعة عند إبداء الاستدراك الفقهي ما حكاه في (سير أعلام النبلاء): حيث قال: «اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ (¬2)
بِمَكَّةَ، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ لِلأَوْزَاعِيِّ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَمْرٍو حَدِيْثَكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ (¬3)؟
قَالَ: نَعَمْ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ، وَقَتَلَ بَنِي أُمَيَّةَ، جَلَسَ يَوْماً عَلَى سَرِيْرِه، وَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مَعَهُمُ السُّيُوفُ المُسَلَّلَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الجَزَرَةُ (¬4) - أَظُنُّهَا الأَطبَارَ (¬5) - وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الأَعمِدَةُ (¬6)، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الكَافِركُوبُ (¬7)، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ، فَلَمَّا صِرْتُ بِالبَابِ، أَنْزَلُونِي،
¬_________
(¬1) (163).
(¬2) هو: عباد بن كثير الثقفي، البصري، العابد، نزيل مكة، متروك، توفي بعد 140 هـ.

[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (7/ 106). و: تقريب التهذيب، (482)].
(¬3) هو: عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباس، عم الخليفة أبي جعفر المنصور، وهو الذي هزم مروان بن محمد بالزاب، وتبعه إلى دمشق، وفتحها وهدم سورها، وقتل من أعيان بني أمية 80 رجلا بأرض الرملة، ومهد دمشق لدخول السفاح وظل أميرا على بلاد الشام مدة خلافته، فلما ولي المنصور خرج عبد الله عليه، ودعا إلى نفسه، فانتدب المنصور لإخضاعه أبا مسلم الخراساني، فقاتله في نصيبين، فانهزم عبد الله واختفى، وصار إلى البصرة، فأمنه المنصور، فاستسلم، وأشخص إلى بغداد وحبس بها، فوقع عليه البيت الذي حبس فيه فقتله، سنة 147 هـ.

[يُنظر: تاريخ بغداد، (10/ 8). و: الأعلام، (4/ 104)]
(¬4) نقَل ابن سيده: «والمَقَامِع - أيضاً - الجِزَرَة وهي الأَعْمِدَة من الحَدِيد». [المخصص، (2/ 60)].
(¬5) جمعُ طَبَر، وهو الفأس، قال الجواليقي: «و (التَّبَرُ): الفأس بالفارسية، ومن ذلك سُمي (الطّبَرْزَد) من التمر؛ لأن نخلته كأنما ضربت بالفأس، وكذلك (طَبرسْتان) كان الشجر حول مدينتها أَشِبًا، أي مشتبكًا، فلم يُصل إليها حتى قُطع الشجر بالفؤوس». [المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، موهوب بن أحمد بن محمد الجواليقي، (276)].
(¬6) سبق نقل ابن سيده في الهامش قبل السابق.
(¬7) هو المقرعة. [يُنظر: حاشية (4) من الصحاح، (1/ 373)]

الصفحة 481