كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 6)

فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ، وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يُقَاتِلُ وَلَا مِمَّنْ لَهَا سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ.
8291 - وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ، بِأَنَّ أَمَانَ أُمِّ هَانِئٍ لَوْ كَانَ جَائِزًا عَلَى كُلِّ حَالٍ دُونَ إِذْنِ الْإِمَامِ، مَا كَانَ عَلِيٌّ لِيُرِيدَ قَتْلَ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ ; لِأَمَانِ مَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ. فَلَوْ كَانَ أَمَانُهَا جَائِزًا لَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَمَّنْتِهِ أَنْتِ أَوْ غَيْرُكِ، فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، فَلَمَّا قَالَ لَهَا:قَدْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ وَأَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ أَمَانَ الْمَرْأَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْإِمَامِ أَوْ رَدِّهِ.
8292 - وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ، وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، بِأَنَّ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِلْمِ دِينِهِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ:بُعِثَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ.
8293 - وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، أَيْ فِي حُكْمِنَا وَسُنَّتِنَا إِجَارَةُ مَنْ أَجَرْتِهِ أَنْتَ وَمِثْلُكِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَوْلِهِ لَهَا: أَوْ مِثْلُكِ مِنَ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، وَأَرَادَ تَطْيِيبَ نَفْسِهَا بِإِسْعَافِهَا فِي رَغْبَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَادَفَتْ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ.
8294 - وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ، قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ.
8295 - وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ": يُرِيدُ أَنَّ شَرِيفَهُمْ يُقْتَلُ بِوَضِيعِهِمْ إِذَا شَمِلَهُمُ الْإِسْلَامُ، وَجَمَعَهُمُ الْإِيمَانُ وَالْحُرِّيَّةُ.

الصفحة 141