كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 6)
الْخَيْرِ.
قَالَ: إِنِّي لَأَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ. قُلْتُ: لِمَ ؟ قَالَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِمَامَ الْمُتَّقِينَ لَمْ يَقْصُرِ الصَّلَاةَ إِلَّا فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ اللَّهِ ; حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوٍ. وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ أَيُّهُمْ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغِي الدُّنْيَا ؟ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ خَرَجَ فِي غَيْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ؟ قَالَ: لَا. إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ إِلَى الطَّائِفِ. قُلْتُ فَجَائِزٌ. وَأَبُو عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ؟ قَالَ: لَا. وَلَا أَحَدٌ مِنْهُمْ. قُلْتُ: فَمَاذَا تَرَى ؟ قَالَ أَرَى أَلَّا تُقْصَرَ إِلَّا فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ. وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُ: تُقْصَرُ فِي ذَلِكَ.
7853 - قَالَ أَبُو عُمَرَ: ذَهَبَ دَاوُدُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، وَهُوَ عِنْدِي نَقْضٌ لِأَصْلِهِ فِي تَرْكِهِ ظَاهِرَ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي قَوْلِهِ " وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ " [ النِّسَاءِ: 101 ] وَلَمْ يَخُصَّ ضَرْبًا فِي حَجٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَخَذَهُ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ بِخِلَافِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ الضَّرْبَ فِي الْأَرْضِ ابْتِغَاءَ فَضْلِ اللَّهِ.
7854 - وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَطَائِفَةٌ قَالَتْ بِقَوْلِ دَاوُدَ. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: يَقْصُرُ الْمُطِيعُ وَالْعَاصِي. كُلُّ مُسَافِرٍ ضَارِبٍ فِي الْأَرْضِ.
7855 - وَأَمَّا اخْتِلَافُ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ فِيهَا:
7856 - فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مُسَافِرٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ فِي طَاعَةٍ أَوْ فِي مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ السَّفَرَ فِيهِ وَلَمْ يَحْظُرْهُ عَلَيْهِ.
7857 - وَسُئِلَ عَنِ الْمُسَافِرِ فِي الصَّيْدِ، فَقَالَ: إِنْ خَرَجَ لِلصَّيْدِ وَهَذَا مَعَاشُهُ قَصَرَ، وَإِنْ خَرَجَ مُتَلَذِّذًا لِمْ أَسْتَحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ.
7858 - قَالَ: وَمَنْ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُجِزْ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ.
الصفحة 55