كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 6)
بِالزِّيَادَةِ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا عَامِدَةً.
7936 - يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّ الْقَصْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ ; وَإِذَا كَانَتْ رُخْصَةٌ وَتَوْسِعَةٌ فَالنَّاسُ مُخَيَّرُونَ فِي قَبُولِهَا ; إِلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدِي: الْقَصْرُ ; لِأَنَّهُ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَسْفَارِهِ كُلِّهَا سُنَّةٌ لِأُمَّتِهِ ; وَفِيهِ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ.
7937 - وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَتَمَّتْ فِي سَفَرِهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَيْثُ مَا كَانَتْ فَهِيَ عِنْدَ بَنِيهَا كَأَنَّهَا فِي أَهْلِهَا.
7938 - وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا صَارَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ كَانَتْ زَوْجًا لِأَبِي الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ صَارَ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.
7939 - وَقَدْ رَوَى فِي قِرَاءَاتِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ " [ الْأَحْزَابِ: 6 ].
7940 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ.
7941 - وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرُوا مِنْ تَأْوِيلِ عَائِشَةَ لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهَا وَصَلَاتُهُ فِي أَسْفَارِهِ رَكْعَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ سَنَّ لِأُمَّتِهِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ فِي مَوْضِعِ إِقَامَتِهِ رَكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةِ أَرْبَعٍ خِلَافَ مَا شَرَعَ لِأُمَّتِهِ وَبَيَّنَ فِي ذَلِكَ مُرَادَ رَبِّهِ.
7942 - وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ) إِنَّمَا أَتَمَّتْ فِي السَّفَرِ لِوُجُوهٍ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ ; أَوْلَاهَا عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا عَلِمَتْ مِنْ قَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خُيِّرَ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ اخْتَارَ الْإِقْصَارَ ; لِيُسْرِ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ. وَقَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا. فَأَخَذَتْ هِيَ فِي خَاصَّتِهَا بِغَيْرِ رُخْصَةٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَهَا فِي حُكْمِ التَّخْيِيرِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ.
الصفحة 68