كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 10)

14960 - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى اعْتِكَافِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَمَّا رَأَى مَا كَرِهَهُ مِنْ تَنَافُسِ زَيْنَبَ، وَحَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ فِي ذَلِكَ، وَخَشِيَ أَنْ يَدْخُلَ نِيَّتَهُنَّ دَاخِلَةٌ، انْصَرَفَ، ثُمَّ وَفَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا نَوَاهُ مِنْ فِعْلِ الْبِرِّ، فَاعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ، وَفِي ذَلِكَ جَوَازُ الِاعْتِكَافِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ.
14961 - وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: " آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ " فَمَعْنَاهُ يَظُنُّونَ بِهِنَّ الْبَرَّ، وَأَنَا أَخْشَى عَلَيْهِنَّ أَنْ يُرِدْنَ الْكَوْنَ مَعِي عَلَى مَا يُرِيدُ النِّسَاءُ مِنَ الِانْفِرَادِ بِالْأَزْوَاجِ فِي كُلِّ حِينٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَ جِمَاعٍ، فَكَأَنَّهُنَّ مَعَ إِرَادَتِهِنَّ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنِ اعْتِكَافُهُمْ خَالِصًا لِلَّهِ، فَكَرِهَ لَهُنَّ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ: " آلْبَرَّ تُرِدْنَ - أَوْ يُرِدْنَ " كَأَنَّهُ تَوْبِيخٌ، أَيْ: مَا أَظُنُّهُنَّ يُرِدْنَ الْبِرَّ.
14962 - وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ لِأَزْوَاجِهِ الِاعْتِكَافَ لِشِدَّةِ مُؤْنَتِهِ، لِأَنَّ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ سَوَاءٌ.
14963 - قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ، وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا ابْنَ الْمُسَيَّبِ، وَلَا أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ اعْتَكَفَ إِلَّا أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِشِدَّةِ الِاعْتِكَافِ.
14964 - وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ لِلنِّسَاءِ مَكْرُوهٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَكَانَ مَذْهَبًا، وَلَوْلَا أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ - وَهُوَ حَافِظٌ - ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُنَّ اسْتَأْذَنَّهُ فِي الِاعْتِكَافِ لَقَطَعْتُ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لِلنِّسَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ غَيْرُ جَائِزٍ.

الصفحة 304