كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 12)

تَقْتَحِمُهَا الْعَنَاقُ، وَكَانَتْ ثِيَابُهَا تُوضَعُ عَلَيْهَا تُسْدَلُ سَدْلًا، وَكَانَ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ مَوْضُوعًا عَلَى سُورِهَا بَادِيًا، وَكَانَتْ ذَاتَ رُكْنَيْنِ هَيْئَةَ هَذِهِ الْحَلْقَةِ، فَأَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ مِنَ الرُّومِ تُرِيدُ الْحَبَشَةُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ جِدَّةَ انْكَسَرَتِ السَّفِينَةُ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِيَأْخُذُوا خَشَبَهَا، فَوَجَدُوا رُومِيًّا عِنْدَهَا، فَأَخَذُوا الْخَشَبَ وَقَدِمُوا بِالرُّومِيِّ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: نَبْنِي بِهَذَا الْخَشَبِ بَيْتَ رَبِّنَا، فَلَمَّا أَرَادُوا هَدْمَهُ إِذَا هُمْ بِحَيَّةٍ عَلَى سُورِ الْبَيْتِ مِثْلَ قِطْعَةِ الْجَائِزِ، سَوْدَاءُ الظَّهْرِ، بَيْضَاءُ الْبَطْنِ، فَجَعَلَتْ كُلَّمَا أَتَى أَحَدٌ إِلَى الْبَيْتِ لِيَهْدِمَهُ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ حِجَارَتِهِ سَعَتْ إِلَيْهِ فَاتِحَةً فَاهَا، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عِنْدَ الْمَقَامِ، فَعَجُّوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالُوا: رَبَّنَا لَمْ تَرْعَ، أَرَدْنَا تَشْرِيفَ بَيْتِكَ وَتَزْيِنَهُ، فَإِنْ كُنْتَ تَرْضَى بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَا بَدَا لَكَ فَافْعَلْ. فَسَمِعُوا خَوَاتًا فِي السَّمَاءِ - يَعْنِي صَوْتًا وَرَجَّةً - فَإِذَا هُمْ بِطَائِرٍ - أَعْظَمُ مِنَ النَّسْرِ أَسْوَدُ الظَّهْرِ أَبْيَضُ الْبَطْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَغَرَزَ مَخَالِبَهُ فِي قَفَا الْحَيَّةِ، فَانْطَلَقَ بِهَا تَجُرُّ ذَنَبَهَا أَعْظَمُ مِنْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى انْطَلَقَ بِهَا نَحْوَ أَجْيَادٍ فَهَدَمَتْهَا قُرَيْشٌ، وَجَعَلُوا يَبْنُونَهَا بِالْحِجَارَةِ حِجَارَةِ الْوَادِي، تَحْمِلُهَا قُرَيْشٌ عَلَى رِقَابِهَا، فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاءِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَبَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْمِلُ حِجَارَةً مِنْ أَجْيَادٍ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ ضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّمِرَةُ، فَذَهَبَ يَضَعُ النَّمِرَةَ عَلَى عَاتِقِهِ فَتُرَى عَوْرَتُهُ مِنْ صِغَرِ النَّمِرَةِ، فَنُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ ! خَمِّرْ عَوْرَتَكَ. فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْدَ ذَلِكَ.

الصفحة 114