كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 13)

كُنَّا بِمِنًى انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْقَاتِلُ إِلَى عُمَرَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ قَتَلْتَهُ ؟ أَخْطَأً أَمْ عَمْدًا ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ خَطَأً وَلَا عَمْدًا ؟ لِأَنِّي تَعَمَّدْتُ رَمْيَهُ، وَمَا أَدْرِي قَتْلَهُ، فَضَحِكَ عُمَرُ، وَقَالَ: مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ أَشْرَكْتَ الْخَطَأَ مَعَ الْعَمْدِ. فَقَالَ: هَذَا حُكْمٌ، وَيَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى رَجُلٍ جَنْبَهُ كَأَنَّهُ قَلْبُ فِضَّةٍ، وَإِذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ; فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى ؟ قَالَ: فَاتَّفَقَا عَلَى شَاةٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْقَاتِلِ: خُذْ شَاةً وَأَهْرِقْ دَمَهَا، وَأَطْعِمْ لَحْمَهَا، وَاسْقِ إِهَابَهَا رَجُلًا يَجْعَلُهُ سِقَاءً.
قَالَ: وَمَا أَشَدَّ حُكْمَهَا مِنَّا.
قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْتُ أَنَا وَالْقَاتِلُ قُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْمُسْتَفْتِي ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّ عُمَرَ مَا دَرَى مَا يُفْتِيكَ حَتَّى سَأَلَ ابْنَ عَوْفٍ، فَلَمْ أَكُنْ قَرَأْتُ الْمَائِدَةَ وَلَوْ كُنْتُ قَرَأْتُهَا لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ، وَاعْمَدْ إِلَى نَاقَتِكَ فَانْحَرْهَا، فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ شَاةِ عُمَرَ.
قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: فَسَمِعَهَا عُمَرُ.
وَقَالَ جَرِيرٌ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَمَا شَعَرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا، فَلَبَّبَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا يُقَادُ إِلَى عُمَرَ قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ، قَامَ وَأَخَذَ الدِّرَّةَ، ثُمَّ أَخَذَ بِتَلَابِيبِ الْقَاتِلِ، فَجَعَلَ يُصَفِّقُ رَأْسَهُ حَتَّى عَدَدْتُ لَهُ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ قَالَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، أَتَعَدَّى الْفُتَيَا، وَتَقْتَلُ الْحَرَامَ. ثُمَّ أَرْسَلَهُ وَأَخَذَ بِتَلَابِيبِي، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنِّي

الصفحة 280