كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 14)
20392 - قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي خَاصَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا مُعَيَّنًا مَا تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَلَا أَبَاحَ لِغَيْرِهِ التَّخَلُّفَ عَنْهُ، وَلَوْ شَقَّ عَلَى أُمَّتِهِ إِذَا كَانُوا يُطِيقُونَهُ.
20393 - وَالْجِهَادُ عِنْدَنَا بِالْغَزَوَاتِ وَالسَّرَايَا إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ وَنِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، سَقَطَ عَنِ الْمُتَخَلِّفِينَ.
20394 - فَإِذَا أَظَلَّ الْعَدُوُّ بَلْدَةً مُقَاتِلًا لَهَا، تَعَيَّنَ الْفَرْضُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ حِينَئِذٍ فِي خَاصَّتِهِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، خَفِيفًا وَثَقِيلًا، شَابًّا وَشَيْخًا، حَتَّى يَكُونَ فِيمَنْ يُكَاثِرُ الْعَدُوَّ كِفَايَةٌ بِمُوَاقَعَتِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ عَوْنُهُمْ، وَالنَّفِيرُ إِلَيْهِمْ، وَمُقَاتِلَةُ عَدُوِّهِمْ مَعَهُمْ، فَإِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَقُومُ بِالْعَدُوِّ فِي الدَّافِعَةِ كَانَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، فَضِيلَةً وَنَافِلَةً.
20395 - وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -:وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [ النِّسَاءِ: 95 ]. ثُمَّ قَالَ:وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [ النِّسَاءِ: 95 ].
20396 - وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَمَنَّى مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُعْطَاهُ، وَذَلِكَ مِنْ حِرْصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْوُصُولِ إِلَى أَصْلِ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ.
20397 - وَقَدْ يُعْطَى الْمَرْءُ بِنِيَّتِهِ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ ".
الصفحة 292