كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 20)

29951 - وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [ النِّسَاءِ: 130 ].
29952 - وَأَمَّا افْتِرَاقُهُمَا بِالْكَلَامِ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقُلِ الْآخَرُ: قَدْ قَبِلْتُ، فَهَذَا مَوْضِعُ خِيَارِ الْبَائِعِ، فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ قَبِلْتُ: فَقَدِ افْتَرَقَا، وَتَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا.
29953 - وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: التَّفَرُّقُ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا قَامَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ صَاحِبُهُ بَطَلُ الْخِيَارُ.
29954 - قَالَ: وَفَائِدَةُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا لَمْ يُجِبِ الْبَائِعَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ قَدْ قَبِلْتُ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا.
29955 - قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فَاسِدَانِ مُخَالِفَانِ لِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَظَاهِرِهِ، لِأَنَّ الْخِيَارَ فِيهِمَا لِلْبَائِعِ خَاصَّةً، وَحَدِيثُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، يَقْتَضِي بِفَسَادِهِمَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا. وَسَنُبَيِّنُ ضَعْفَ تَأَوُّلِهِمَا فِي الْحَدِيثِ فِيمَا بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
29956 - وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرُدُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِالِاعْتِبَارِ كَفِعْلِهِ فِي سَائِرِ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَيَعْرِضُهَا عَلَى الْأُصُولِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا، وَلَا يَقْبَلُهَا إِذَا خَالَفَهَا، وَيَقُولُ:

الصفحة 228