كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 21)

وَقَعَتْ عَلَى الْمُصَرَّاةِ نَفْسِهَا.
30600 - وَقَالُوا: وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْمُصَرَّاةِ مَنْسُوخٌ كَمَا نُسِخَتِ الْعُقُوبَاتُ فِي غَرَامَةِ مِثْلَيِ الشَّيْءِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ الَّتِي لَا قَطْعَ فِيهَا غَرَامَةُ مِثْلَيْهَا، وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ نَسَخَهُ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) [ الْبَقَرَةِ: 194 ].
30601 - وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " مَنْسُوخٌ أَيْضًا بِتَحْرِيمِ الرِّبَا ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، جَعَلَ فِيمَنِ اسْتَهْلَكَ طَعَامًا طَعَامًا مِثْلَهُ، قَالَ: فَإِنْ فَاتَ، فَقِيمَتُهُ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا.
30602 - قَالُوا: وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ مَنْسُوخٌ.
30603 - قَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ، لَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ فِي أُصُولِ السُّنَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ لَمَّا اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ الطَّارِئِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، لَمْ يَتَهَيَّأْ تَقْدِيرُ مَا لِلْبَائِعِ مِنْ ذَلِكَ، فَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ ; لِأَنَّ تَقْوِيمَ مَا لَا يُعْرَفُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنَ اللَّبَنِ، وَكَانَا جَمِيعًا عَاجِزَيْنِ عَنْ تَحْدِيدِهِ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْبَائِعِ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ الْغَالِبَ فِي قُوتِهِمْ يَوْمَئِذٍ.
30604 - وَفِي الْأُصُولِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ مِثْلُ حُكْمِهِ فِي الْجَنِينِ، وَفِي الْأَصَابِعِ،

الصفحة 93