كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 22)
31606 - وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا إِيجَابُ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ دُونَ إِعْمَالِ الظَّنِّ، وَالِاسْتِحْسَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِظَاهِرِ أَمْرِهِمَا، وَمَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَنَفَاهُ صَاحِبُهُ، وَأَحْلَفَهُمَا بِأَيْمَانِ اللِّعَانِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ حَامِلًا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:إِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ; لِأَنَّ الشَّبَهَ قَدْ يُنْتَزَعُ عَنْهُ، وَقَدْ لَا يُنْتَزَعُ، بَلْ أَمْضَى حُكْمَ اللَّهِ فِيمَا بَعْدَ أَنْ سَمِعَ مِنْهَا، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى الظَّنِّ، وَلَا أَوْجَبَ بِالشُّبْهَةِ حُكْمًا، وَلَا رَدَّ بِهِ قَضَاءً سَلَفَ مِنْهُ مُجْتَهِدًا فِيهِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الظَّاهِرُ.
31607 - وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ " فَفِيهِ بَيَانٌ وَاضِحٌ بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالظَّاهِرِ الَّذِي يَعْتَدُّ بِهِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا فِي الْبَاطِنِ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ.
31608 - وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ صَحِيحٌ، كَمَا وَصَفْنَا ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ الْبَقَرَةِ: 188 ].
الصفحة 16