كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 22)

ابْنَتَهُ، فَتَنْكِحُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ، وَإِنَّمَا تَنْكِحُهُ لِغِنَاهُ، وَلِلْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ، فَيُرِيدُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ الْأَبُ، أَوْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، قَدْ نَحَلَهَا أَبُوهَا النِّحَلَ، إِنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا وَيَرْفَعُ فِي صَدَاقِهَا لِغِنَاهَا وَمَالِهَا، وَمَا أَعْطَاهَا أَبُوهَا، ثُمَّ يَقُولُ الْأَبُ: أَنَا أَعْتَصِرُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنِ ابْنِهِ وَلَا مِنِ ابْنَتِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، إِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ.
32958 - قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ قُلْنَا: إِنَّ الِاعْتِصَارَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هُوَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا رُجُوعَ فِيهَا لِلْمُتَصَدِّقِ بِهَا.
32959 - وَكُلُّ مَا أُرِيدَ بِهِ - مِنَ الْهِبَاتِ - وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الصَّدَقَةِ فِي تَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِيهَا.
32960 - وَأَمَّا الْهِبَاتُ إِذَا لَمْ يَقُلِ الْوَاهِبُ فِيهَا لِلَّهِ، وَلَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ الصَّدَقَةَ الْمُخْرَجَةَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا:
32961 - فَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْمُوَطَّأِ عَلَى مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ تَرْكِ رُجُوعِ الْأَبِ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ إِذَا نَكَحَتِ الِابْنَةُ، أَوِ اسْتَدَانَ الِابْنُ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ.
32962 - وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدَ، ثُمَّ وَقَفَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَوِ اتَّصَلَ حَدِيثُ طَاوُسٍ:لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدُ، لَقُلْتُ بِهِ، وَلَمْ أَزِدْ وَاهِبًا غَيْرَهُ، وَهَبَ لِمَنْ يَسْتَثِيبُ مِنْهُ، أَوْ لِمَنْ لَا يَسْتَثِيبُ مِنْهُ.

الصفحة 312