كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 23)

يَسْتَعِيذُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَعُودُوا كَالْأَعْرَابِ بَعْدَ هِجْرَتِهِمْ; لِأَنَّ الْأَعْرَابَ لَمْ يُتَعَبَّدُوا بِالْهِجْرَةِ الَّتِي كَانَ يَحْرُمُ بِهَا عَلَى الْمُهَاجِرِ الرُّجُوعُ إِلَى وَطَنِهِ.
33387 - وَلَمْ تَكُنِ الْهِجْرَةُ مُقْتَصَرَةٌ فِي تَرْكِ الْوَطَنِ، وَتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ عَلَى الْأَبَدِ، إِلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ خَاصَّةً الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ أَهْلِهَا، وَاتَّبَعُوهُ لِيَتِمَّ لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ الْغَايَةُ مِنَ الْفَضْلِ الَّذِي سَبَقَ لَهُمْ، فَعَلَيْهِمْ خَاصَّةٌ افْتُرِضَتِ الْهِجْرَةُ، الْمُفْتَرَضُ فِيهَا الْبَقَاءُ مَعَ النَّبِيِّ حَيْثُ اسْتَقَرَّ، وَالتَّحَوُّلُ مَعَهُ حَيْثُ تَحَوَّلَ لِنُصْرَتِهِ، وَمُؤَازَرَتِهِ، وَصُحْبَتِهِ، وَالْحِفْظِ لِمَا يَشْرَعُهُ، وَالتَّبْلِيغِ عَنْهُ.
33388 - وَلَمْ يُرَخَّصْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ، وَتَرْكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ; لِأَنَّ هِجْرَةَ دَارِ الْكُفْرِ حَيْثُ كَانَتْ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مَنْ آمَنُ أَنْ يَهْجُرَ دَارَ الْكُفْرِ; لِئَلَّا تَجْرِيَ عَلَيْهِ فِيهَا أَحْكَامُ الشَّيْطَانِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ حَيْثُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ) ) فَلَمْ يُحَرِّمْ فِي هِجْرَتِهِ هَذِهِ حَالَةَ الرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ إِذَا عَادَتْ تِلْكَ الدَّارُ دَارَ إِيمَانٍ وَإِسْلَامٍ.

الصفحة 40