كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 23)

33209 - وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالتَّأْكِيدُ فِي ذَلِكَ.
33210 - وَأَجْمَعَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، أَوْ أَمَانَةٌ، فَيُوصِي بِذَلِكَ.
33211 - وَشَذَّ أَهْلُ الظَّاهِرِ، فَأَوْجَبُوا الْوَصِيَّةَ فَرْضًا إِذَا تَرَكَ الرَّجُلَ مَالًا كَثِيرًا، وَلَمْ يُوَقِّتُوا فِي وُجُوبِهَا شَيْئًا، وَالْفَرَائِضُ لَا تَكُونُ إِلَّا مُؤَقَّتَةً مَعْلُومَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
33212 - وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ:بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [ الْبَقَرَةِ: 180 ]، وَالْمَعْرُوفُ: التَّطَوُّعُ بِالْإِحْسَانِ، قَالُوا: وَالْوَاجِبُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُتَّقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ.
33213 - وَاسْتَدَلَّ غَيْرُهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوصِ وَهَذَا لَا يُحْتَجُّ لَهُ; لِأَنَّ مَا تَخَلَّفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ تُصُدِّقَ بِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا.
33214 - قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: ( (مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ ) ).
33215 - وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( (إِنَّا لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ ) ).
33216 - فَأَيُّ وَصِيَّةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ أَنْ تَكُونَ تَرِكَتُهُ كُلُّهَا صَدَقَةً، لَا مِيرَاثَ فِيهَا، وَإِنَّمَا نَدَبَ إِلَى الْوَصِيَّةِ مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا يُورَثُ عَنْهُ.

الصفحة 7