كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 24)

35179 - وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ: أَنَّ سَتْرَ الْمُسْلِمِ عَلَى نَفْسِهِ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُدُودِ، وَالتَّوْبَةَ مِنْهَا، وَالنَّدَمَ عَلَيْهَا، وَالْإِقْلَاعَ عَنْهَا، أَوْلَى بِهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ.
35180 - أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، أَشَارَ بِذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي اعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالِزِنَا، وَكَذَلِكَ فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
35181 - وَهُوَ مَاعِزٌ الْأَسْلَمِيُّ، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي الْآثَارِ.
35182 - وَكَذَلِكَ إِعْرَاضُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ حِينَ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، حَتَّى أَكْثَرَ عَلَيْهِ كَانَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - رَجَاءَ أَلَّا يَتَمَادَى فِي الْإِقْرَارِ، وَأَنْ يَنْتَبِهَ، وَيْرَعَوِيَ، ثُمَّ يَنْصَرِفَ، فَيَعْقِدَ التَّوْبَةَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ.
35183 - هَذَا مَذْهَبُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الِاعْتِرَافَ بِالزِّنَا مَرَّةً وَاحِدَةً يَكْفِي.
35184 - وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ؛ فَقَالُوا: إِنَّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَتِمَّ إِقْرَارُهُ عِنْدَهُ.
35185 - وَلَيْسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِلَيْهِ إِقَامَةُ الْحُدُودِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ - إِذَا بَلَغَهُ، وَثَبَتَ عِنْدَهُ مَا يُوجِبُهَا - إِلَّا إِقَامَتُهَا، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ، فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَذَلِكَ.
35186 - وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ إِقْرَارِ الْمُعْتَرِفِ فِي الزِّنَا، وَهَلْ

الصفحة 25