كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 27)
41254 - وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْ أَشْعَارِهِمْ فِي " التَّمْهِيدِ " بِهَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِتَوْفِيقِهِ وَيُسْرِهِ لِلْعَمَلِ بِعِلْمِهِ، بَلْ هُوَ كَثِيرٌ جَارٍ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ; يُذَمُّ الدَّهْرُ مَرَّةً، وَيُذَمُّ الزَّمَانُ تَارَةً، وَتُذَمُّ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ مَرَّةً، وَتُذَمُّ الدُّنْيَا أَيْضًا.
41255 - وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَعْنَى مَا وَصَفْنَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ إِذَا ذَمُّوا الدَّهْرَ وَالزَّمَانَ، لَمْ يَقْصِدُوا بِذَلِكَ إِلَّا الدَّهْرَ عَلَى قَبِيحِ مَا يُرَى مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ حَكِيمٌ مِنْ شُعَرَائِهِمْ:
يَذُمُّ النَّاسُ كُلُّهُمُ الْزَّمَانَا وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا نَذُمُّ زَمَانَنَا وَالْعَيْبُ فِينَا
وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ بِنَا هَجَانَا يَعَافُ الذِّئْبُ يَأْكُلُ لَحَمَ ذِئْبٍ
وَيَأْكُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا عِيَانًا
41256 - وَرُبَّمَا كَانَ ذَمُّهُمْ لِلدَّهْرِ عَلَى مَعْنَى الِاعْتِبَارِ بِمَا تَأْتِي بِهِ الْمَقَادِيرُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، كَمَا قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
سَلِ الْقَصْرَ أَوْدَى أَهْلَهُ: أَيْنَ أَهْلُهُ ؟ أَكُلُّهُمُ عَنْهُ تَبَدَّدَ شَمْلُهُ
أَكُلُّهُمُ قَضَتْ يَدُ الدَّهْرِ جَمْعَهُ وَأَفْنَاهُ قَصُّ الدَّهْرِ يَوْمًا وَقَتْلُهُ
أُخَيَّ أَرَى لِلدَّهْرِ نَبْلًا مُصِيبَةً إِذَا مَا رَمَانَا الدَّهْرُ لَمْ تُخْطِ نَبْلُهُ
فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الدَّهْرِ فِي طُولِ عَدْوِهِ وَلَا مِثْلَ رَيْبِ الدَّهْرِ يُؤْمَنُ خَتْلُهُ
الصفحة 306