كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 27)

وَالتَّفَيْهُقِ مِنْ تَصْوِيرِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الثَّرْثَارِينَ الْمُتَفَيْهِقِينَ أَنَّهُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -.
41302 - وَقَالَ آخَرُونَ، وَهُمُ الْأَكْثَرُ عَدَدًا: إِنَّهُ كَلَامٌ أُرِيدَ بِهِ الْمَدْحُ، قَالُوا: وَالْبَيَانُ مَمْدُوحٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -:خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [ الرَّحْمَنِ: 3، 4 ]، وَبِدَلِيلِ مَا فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا، وَالْإِعْجَابُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِمَا يَحْسُنُ وَيَطِيبُ سَمَاعُهُ، لَا بِمَا يَقْبُحُ وَيُذَمُّ، قَالُوا: وَتَشْبِيهُهُ بِالسِّحْرِ، مَدْحٌ لَهُ ; لِأَنَّ مَعْنَى السِّحْرِ الِاسْتِمَالَةُ، وَكُلُّ مَا اسْتَمَالَكَ فَقَدْ سَحَرَكَ، فَكَأَنَّهُ غَلَبَ عَلَى الْقُلُوبِ بِحُسْنِ كَلَامِهِ، فَأُعْجِبَ النَّاسُ بِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمِيرَهُمْ بِفَضْلِ الْبَلَاغَةِ لِبَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ فَشَبَّهَهُ بِالسِّحْرِ ; لِغَلَبَةِ السِّحْرِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاسْتِمَالَتِهِ لَهَا.
41303 - وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَلَّمَهُ رَجُلٌ فِي حَاجَةٍ بِكَلَامٍ أَعْجَبَهُ، فَقَالَ: هَذَا السِّحْرُ الْحَلَالُ.
41304 - وَمِنْ هَاهُنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَخَذَ ابْنُ الرُّومِيِّ قَوْلَهُ: وَحَدِيثُهَا السِّحْرُ الْحَلَالُ لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَجْنِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ الْمُتَحَرِّزِ إِنْ طَالَ لَمْ يَمْلُلْ وَإِنْ هِيَ أَوْجَزَتْ وَدَّ الْمُحَدِّثِ أَنَّهَا لَمْ تُوجِزْ شَرَكُ الْعُقُولِ وَنُزْهَةٌ مَا مِثْلُهَا لِلسَّامِعِينَ وَعَقْلُهُ الْمُسْتَوْفِزِ

الصفحة 320