كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - ت: قلعجي (اسم الجزء: 27)

الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ كُلُّهُ فَيُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ.
1868 - مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ; أَنَّهُ قَالَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا، فَقَالَ: " نَعَمْ " فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا ؟ قَالَ: " نَعَمْ " فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: " لَا ".
41432 - قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ مُرْسَلٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ كَذَّابًا، وَالْكَذَّابُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ، وَمِنْ شَأْنِهِ الْكَذِبُ فِي مَا أُبِيحَ لَهُ، وَفِي مَا لَمْ يُبَحْ ; وَهُوَ أَكْثَرُ مِنَ الْكَاذِبِ، لِأَنَّ الْكَاذِبَ يَكُونُ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْكَذَّابُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْرَارِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ.
41433 - وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَكُونُ بَخِيلًا، وَقَدْ يَكُونُ جَبَانًا، فَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، مَعْرُوفٌ بِالْأَخْبَارِ وَالْمُعَايَنَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ الْبُخْلُ وَلَا الْجُبْنُ مِنْ صِفَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا الْجِلَّةِ مِنَ الْفُضَلَاءِ ; لِأَنَّ الْكَرَمَ وَالسَّخَاءَ مِنْ رَفِيعِ الْخِصَالِ. وَكَذَلِكَ النَّجْدَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَقُوَّةُ النَّفْسِ عَلَى الْمُدَافَعَةِ إِذَا كَانَ فِي الْحَقِّ ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ: " ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا جَبَانًا ".

الصفحة 354