كتاب الاتجاهات العامة للاجتهاد ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها

و [يؤيد] (*) مذهب الحنفية في هذا ما ورد من الآثار عن بعض الصحابة.
فعن ابن عمر: أنه كان إذا قرأ «النجم» و «اقرأ باسم ربك» في صلاة وبلغ آخرها كَبَّرَ وَرَكَعَ، وإن قرأها في غير صلاة سجد.

وعن ابن مسعود أنه سئل عن سجدة تكون في آخر السورة أيسجد لها أم يركع؟ قال: «إِنْ شِئْتَ فَارْكَعْ، وَإِنْ شِئْتَ فَاسْجُدْ ثُمَّ اقْرَأْ بَعْدَهَا سُورَةً» (¬1).

قال المحقق ابن امير الحاج: «ولم يرو عن غيرهما خلافه، بل ذكره ابن أبي شيبة عن علقمة وإبراهيم والأسود وطاوس ومسروق والشعبي والربيع بن خُثيم وعمرو بن شرحبيل» (¬2).

وهكذا ضبط الحنفية هذا النوع من أدلة الأحكام الشرعية، والذي يأتي بمثابة استثناء من الإطراد في الأحكام، فجعلوا هذا الاستثناء مُقَعَّدًا بقواعد ينظر فيها إلى الطرفين المتقابلين: نص في مقابلة القياس، أو قياس خفي في مقابلة القياس الجلي.

ونختم هذه اللمحة الموجزة بهذه الملاحظة القيمة التي أتوا بها حيث قالوا:
¬__________
= الرحموت ": جـ 2 ص 323.

(¬1) قال في " فواتح الرحموت ": «وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الآثَارِ فَحَسَنٌ».
(¬2) " التقرير والتحبير " لابن أمير الحاج: جـ 3 ص 225، لكن الكمال بن الهُمام يرى أن هذه المسألة من باب تقديم الاستحسان لا القياس. ويرى ابن أمير الحاج أنه حيث وردت هذه الآثار في المسألة فهي من قبيل الاستحسان بالأثر أيضًا، كما أنها من قبيل الاستحسان بالقياس الخفي. وهي ملاحظة دقيقة جديرة بالاعتبار في هذه المسألة.
__________
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(يُؤَيِّدُ) وليس (يُؤَدِّي)، انظر أصل هذا الكتاب: مجلة مركز بحوث السنة والسيرة - دولة قطر: 8 - 1415 هـ، ص 142.

الصفحة 29