كتاب الاتجاهات العامة للاجتهاد ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها

وأود أن ألفت نظر القارىء إلى هذا الأسلوب العلمي الذي يعرض حجة المخالف وكأنها حجج كثيرة، حتى لربما اقتنع بها بعض القراء إذا لم يكن من أهل التأمل الناقد، وإن كانت هي في الواقع مغالطات ضعيفة يمكن الاستغناء عن الرد عليها، لولا ما نبغ في هذا الزمان العجيب من فئة قليلة معزولة عن المجتمع تخطت تحقيق أئمة العلم والدين، وأخذت سبيل التكلف والتوعر والشذوذ سبيلاً لها، تستهوي بالإثارة العاطفية أغرار الشبان المتدينين تزعم لهم أنهم سيجددون الإسلام، وتلقنهم هذا المبدأ ـ فيما تلقنهم من شذوذ ـ مبدأ إنكار العمل بالحديث الصحيح، وإن كان معلم هذه الفكرة العصري لم يصل إلى أن يستند لدلائل كهذه التي ساقها علماؤنا ـ أَجْزَلَ اللهُ مَثُوبَتَهُمْ ـ بدافع من أمانتهم العلمية، وإخلاصهم للحقيقة.

ونحن نُحَذِّرُ هؤلاء من أنهم سينتهون بهذا الشذوذ إلى أفجع نتيجة من تجديدهم المزعوم، ألا وهي أن يأتوا بإسلام بلا سُنَّةٍ، أي بعبارة أخري أصرح:
إسلام بلا دين إلا مجرد التسمية ... !! ونبين فيما يأتي الخطأ في هذه الاستدلالات، ثم نبين كيف طرح هذا المذهب المخالف كل دلائل الشرع القطعية من الكتاب والسنة والاجماع، وخرقوا بداهة المنطق الذي تسير عليه الحياة.

أما الخطأ في االاستدلال فيقول فيه الإمام الغزالي في " المستصفى ": (¬1) «وهذا باطل من أوجه:
الأولى: إنكارهم القول بخبر الواحد غير معلوم ببرهان قاطع، بل
¬__________
(¬1) جـ 1 ص 154، 155، وقارن بـ " ميزان الأصول " للسمرقندي: ص 452 - 454.

الصفحة 48