كتاب الاتجاهات العامة للاجتهاد ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها

27 - سفيان عن عمرو عن ابن عمر قال: «كُنَّا نُخَابِرُ وَلاَ نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى زَعَمَ رَافِعُ (هُوَ ابْنُ خَدِيجٍ) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا فَتَرَكْنَاهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (¬1).
فابن عمر قد كان ينتفع بالمخابرة ويراها حلالاً، ولم يتوسع إذ أخبره واحد لا يتَّهمه عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا أن يخابر بعد خبره، ولا يستعمل رأيه مع ما جاء عن رسول الله ولا يقول: «ما عاب هذا علينا أحد ونحن نعمل به إلى اليوم» وفي هذا ما يبين أن العمل بالشيء بعد النَّبِيِّ إذا لم يكن بخبر عَنْ النَّبِيِّ لم يوهن الخبر عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -.

28 - أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنَّ معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو وَرِقٍ بأكثر من وزنها. فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هذَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «مَا أَرَى بِهذَا بَأْساً»، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ؟ أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ. لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ» (¬2)، فرأى أبو الدرداء الحُجَّة تقوم على معاوية بخبره ولما لم يَرَ ذلك معاوية، فارق أبو الدرداء الأرض التي هو بها، إعظامًا لأنه تَركَ خَبَرَ ثقة عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

29 - وأ خبرنا أنَّ أبا سعيد الخُدري لقي رجلاً فأخبره عن رسول الله شيئًا، فذكر الرجل خَبَرًا يخالفه، فقال أبو سعيد: «وَاللهِ لاَ آوَانِي وَإِيَّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ أَبَدًا».
قال الشافعي: يرى أن ضَيِّقًا على المخبَر ألاَّ يقبل خبره، وقد ذكر خَبَرًا يخالف خبر أبي سعيد عَنْ النَّبِيِّ، ولكن في خبره وجهان
¬__________
(¬1) وقد ورد النهي عن المخابرة في " مسند أحمد ".
(¬2) تفرَّدَ الشافعي بهذه الرواية. وقد قال ابن عبد البر: إنها محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، ولكن إسنادها صحيح، فتكون من الأفراد الصحيحة. اهـ.

الصفحة 74