كتاب الاتباع لابن أبي العز

وعَلى من قَالَ إِنَّه لَا يكون حيضا إِلَّا أَن يُقَال إِن الْعلم يعلم بغالب الظَّن وغالب الظَّن كالمتحقق بل يُسمى علما كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (فَإِن علمتموهن مؤمنات) الممتحنة 10 وَالْحَامِل يعلم حَال كَونهَا حَامِلا فِي مُدَّة حملهَا وَكم قد ترَتّب على ذَلِك من حكم وَبَيَان الأشكال فَإِنَّهُ لَو فرض أَن امْرَأَة استمرت ترى الدَّم فِي مُدَّة حملهَا فِي وقته الْمُعْتَبر فَسَوَاء قُلْنَا أَنَّهَا تعلم أَنَّهَا لَو تزوجت بعد ثَلَاثَة قُرُوء من هَذَا الدَّم أَن العقد صَحِيح ثمَّ لَو وضعت لأَقل من سِتَّة أشهر من العقد فَبين أَنَّهَا كَانَت حَامِلا حَالَة العقد مَعَ وجود ذَلِك الدَّم الَّذِي صورته صُورَة الْحيض فَإِن قيل إِن مثل هَذَا لَا يَقع كَانَ هَذَا إنكارا لتصوير الْمَسْأَلَة لَا إنكارا للْحكم فِيهَا وكل من الْفَرِيقَيْنِ قد صورها وَلَكِن حكم أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأَن حكم ذَلِك حكم الْحيض وَحكم الْفَرِيق الآخر بِأَن حكمه يكون حكم الإستحاضة فَظهر أَن هَذَا التشنيع إِنَّمَا هُوَ على من يَقُول إِن الْحَامِل لَا تعلم قبل الْوَضع سَوَاء قَالَ إِن ذَلِك الدَّم حيض أَو اسْتِحَاضَة وَأما من قَالَ إِن الْحمل يُمكن الْعلم بِهِ فَلَا إِشْكَال عَلَيْهِ سَوَاء قَالَ إِن مَا ترَاهُ الْحَامِل حيض أَو اسْتِحَاضَة لِأَنَّهُ إِذا علمت الْحَامِل من الْحَائِل بعد جعل الشَّرْع اسْتِبْرَاء الْحَائِل بِحَيْضَة وَلم يَجْعَل اسْتِبْرَاء الْحَامِل بِحَيْضَة بل بِوَضْع الْحمل فَيكون الْحيض دَلِيلا على فرَاغ الرَّحِم ظَاهرا لَا قطعا لِأَنَّهُ لَو كَانَ قَطْعِيا لما تخلف وَالْمَسْأَلَة متجاذبة وَلم يثبت فِي أَكثر مُدَّة الْحمل فِي نَص عَن الشَّارِع وَمَا اسْتندَ إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي تَقْدِيره سنيتين من الْإِبْرَاء الْمَنْسُوب إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لم يثبت وَلِهَذَا لم يقدر أَكثر مُدَّة الْحمل جمَاعَة من السّلف

الصفحة 73