كتاب ففروا إلى الله - القلموني

أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها، واللَّه المستعان.
8 - أن المعاصي تقصر العمر، وتمحق بركته ولا بد، فإن البر كما يزيد في العمر فالفجور ينقصه، وسر المسألة: أن عمر الإنسان مدة حياته، ولا حياة له إلا بإقباله على ربه، والتنعم بحبه وذكره، وإيثار مرضاته.
9 - ومنها: أن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضُها بعضًا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة: السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة: الحسنة بعدها.
10 - ومنها: وهو من أخوفها على العبد، أنها تضعف القلب عن إرادته فتقوى فيه إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئًا فشيئًا، إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه لما تاب إلى اللَّه، فيأتي بالاستغفار وتوبة الكاذبين باللسان بشيء كثير، وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.
11 - ومنها: أنه ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه، وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التفكه وتمام اللذة حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويحدث بها من لم يكن يعلم أنه عملها، فيقول: يا فلان، عملت كذا وكذا، وهذا الضرب من الناس لا يُعافون، وتسد عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب، كما قال النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من الإجهار: أن يستر اللَّه على العبد، ثم يصبح يفضح نفسه، ويقول: يا فلان، عملت يوم كذا كذا وكذا فيهتك نفسه، وقد بات يستره ربه».
12 - ومنها: أن كل معصية من المعاصي هي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها اللَّه عز وجل، فاللوطية: ميراث عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص: ميراث عن قوم شعيب، والعلو في الأرض والفساد: ميراث عن فرعون وقوم فرعون، والتكبر والتجبر: ميراث عن قوم هود، فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم وهم أعداء اللَّه.
وقد روى عبد اللَّه بن أحمد في كتاب «الزهد» لأبيه عن مالك بن دينار قال: أوحى اللَّه إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك: لا تدخلوا مداخل أعدائي، ولا تلبسوا ملابس أعدائي، ولا تركبوا مراكب أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
13 - ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه.

الصفحة 35